(كالشفاعة لمن ارتضى الخ) المراد بمن ارتضى من اصطفاه واختاره من صفوة
خلقه من المسلمين وأنما فسره لأنّ غير الصواب لا يصدر من الملائكة، ولا يؤذن لأحد فيه. قوله: (والووح ملك موكل على الآرواح الخ) قال في الأحياء: الملك الذي يقال له الروح هو الذي يولج الأرواح في الأجسام فإنه يتنفس فيكون في كل نفس من أنفاسه روح في جسم، وهو حق يشاهده أرباب القلوب ببصائرهم اهـ. قوله: (او جنسها) أي والمراد به جنس الأرواح، وقيامها وهي من المجرّدات بدون الأجسام غير متصوّر، ولذا قيل: تقديره ذوات
الأرواح وفيه نظر، والطاهر أن ضمير جنسها راجع للملائكة لتقدمها في النظم، وفهمها من المقام. قوله: (الكائن لا محالة) تفسير للحق الموصوف به اليوم أو الواقع خبر ذلك اليوم أي هو مما لا يمكن إنكاره، وهذا مؤكد لما قبله، ولذا لم يعطف. قوله: " لى ثوابه) بيان للمراد أو تقدير لمضاف فيه، وهو الأظهر وإنما قدر المضاف فيه قيل: لأنّ الرجوع لذاته تعالى غير مراد لتنزهه عنه، وتعاليه فالمتصوّر الرجوع لحكمه وثوابه ووعده ونحوه كما قيل في قوله: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ﴾ [سورة الفجر، الآية: ٢٨] وقيل: لأنّ رجوع كل أحد إلى ربه ليس بمشيئته إذ لا بد منه شاء أم لا والمعلق بالمشيئة الرجوع إلى ثوابه فانّ العبد مختار في الإيمان، والطاعة ولا ثواب بدونهما ولا يرد عليه ما قيل من أنه مناف لمذهب الأشاعرة لأنّ العبد له كسب في أفعاله بمشيئة مقارنة لمشيئة الله لما أوجدها فيه، ويكفي في مثله ذلك كما حقق في محله وقيل إنما قدر الثواب لما مرّ من قوله: للطاغين مآبا فإنّ لهم مرجعاً لله أيضا لكن للعقاب لا للثواب، ولكل وجهة هو موليها. قوله: (وقريه لتحققه) جواب عن سؤال مقدر تقديره إذا فسر بعذاب الآخرة كيف يكون قريبا فإمّا أن يجعل لتحقق وقوعه قريبا لأنّ ما تحقق في المستقبل يجعل قريباً بخلاف ما تحقق في الماضي، ولذا قيل: ما أبعد ما فات، وما أقرب ما هو آت أو يقال: البرزخ داخل في الآخرة، ومبدؤه الموت وهو قريب حقيقة إذ القرب والبعد من الأمور النسبية، قيل: وأنما يحتاج إلى التوجيه لو كان يوم ينظر ظرفا مستقرّاً أي قريبا كائناً يوم الخ إمّا إذا كان لغواً للقرب فلا لأنه في ذلك اليوم قريب لا فاصل بينه وبين المرء، وفيه نظر لأنّ الظاهر جعل المنذر به قريبا في وقت الإنذار لأنه المناسب للتهديد والوعيد إذ لا فائدة في ذكر قربه منهم يوم القيامة فإذا تعلق به فالمراد بيان قرب اليوم نفسه كما في قوله: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾ [سورة القمر، الآية: ١] فتأمّل. قوله: (يرى ما قدّمه من خير أو شرّ) بيان لحاصلى المعنى فلا ينافي كون ما استفهامية أو هو تفسير له على الوجه الراجح، ولذا قدّمه، وتعرض لتفسير. على تقدير أنها استفهامية بقوله: أي ينظر الخ، وقوله: والمرء عامّ لاشترإك الفريقين في النظر، ولما بين حال الكافر بعده وتحسره علم حال غيره فهو كقوله: وورثه أبواه فلأمّه الثلث، ولم يصرّح به لإيهام إنه لا يحيط به الوصف، وقيل: المراد به المؤمن كما نقل عن قتادة وتركه المصنف لما في الكشاف من أنه ظاهر الضعف وإن رجحه الإمام بأنّ بيان حال الكافر بعده يدل على أنّ هذا حال المؤمن. قوله: (وقيل هو الكافر الخ) مرضه لأنّ ما قبله في حال الفريقين عموما فلا وجه للتخصيص، وقوله: إنا أنذرناكم الخ لا يخص الكافرين لأنّ الإنذار عامّ للفريقين أيضا فلا دلالة له على الاختصاص كما يتوهم في بادى النظر، وقوله:
فيكون الكافر الخ لأنه على هذا كان الظاهر عود ضمير للمرء من غير تصريح به لكنه لإفادة لفظ الكافر الذي أقيم مقام الضمير لذلك، وقيل: الكافر إبليس لما شاهد آدم عليه الصلاة والسلام ونسله وما لهم من الثواب تمنى أن يكون ترابا لأنه احنقره لما قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [سورة الأعراف، الآية: ١٢] وهو كلام حسن ووجه وجيه، وإن بعد من السياق. قوله: (وما موصولة) والعائد مقدر أي ما قدمته وعلى الاستفهامية فالجملة معلق عنها لأنّ النظر طريق للعلم كما بينه النحاة، والمعنى على الثاني ينظر جواب ما قدمته يداه، ومثله: كثير ظاهر. قوله: (وقيل: يحشر سائر الحيوانات الخ) كما اشتهر ذلك وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه لتؤذن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء تمت السورة والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أعظم مخلوقاته وآله وصحبه وآل بيته.
سورة النازعات