سُورَةُ النِّسَاءِ
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ... (١)﴾
قال ابن مالك: لفظ أصله (أي) نائبة مناب الإضافة إليها، وقال الأخفش: أي موصولة بمعنى الذي، (النَّاسُ) خبر مبتدأ محذوف مضمر عائد على الموصول، وهذه الآية تدل على أن المراد بالنَّاس بني آدم.
ابن عرفة: والخلق هو الإنشاء على صورة مختلفة فمادة الخلق تشعر بالاختلاف، قال الفخر: والآية حجة للقائلين بالطبعية، فرده ابن عرفة بما قلنا: مع الاختلاف مع خلقهم في نفس واحدة، قال تعالى: (وَاخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)، ومن إما للغاية أعني للابتداء، أو الانتهاء إن قلنا: إن المراد بالخلق نفس الإخراج من الظلمات إلى النور والإيجاد عن عدم، وأما لابتداء الغاية فقط، إن قلنا: إن الخلق مخترع مطلق الاختراع، والإنشاء مع إغفال تبدل الأغراض، وإنها لَا تبقى زمانين.
قوله تعالى: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).
الكثرة مستفادة من لفظ (بَثَّ) ومن قوله (كَثِيرًا)، فإن قلت: لم وصف الرجال بالكثرة دون النساء، فالجواب من وجهين: بأن النساء في الوجود أكثر من الرجال، فحذف النعت للعلم به مع دلالة الأول عليه ووصف الرجال بالكثرة فيؤذن بكثرة النساء من باب أحرى، وإمَّا بأن الآية خرجت مخرج الوعظ والتذكير بالنعمة والعرب من شأنهم حب كثرة الرجال والعصبة وكراهية كثرة النساء فذكروا بما يحبون، فإن قلت: هلا قيل: وبث منهما ذكورا وإناثا فيعم اللفظ الصغار والكبار من النوعين، قلت: الآية في معرض التكليف بالتقوى فذكروا بالمكلفين من النوعين.
قوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ).
قال ابن عرفة: ليس هذا تكراراً فالأمر الأول: بالتقوى معقب بالتذكير بنعمة الإخراج من العدم إلى الوجود، والثاني: معقب بالتذكير بنعم متتابعة دائمة في مدة الحياة، وهي نعمة قضاء النَّاس حوائج بعضهم بسبب سؤاله إياه بالله ففيه تعظيم لله عز وجل، ومن هو بهذه المنزلة جدير بأن يتقى، والرحم ذكر الفقهاء مراعاتها في الإنفاق وأما مراعاتها في حال الصحة والمؤاثرة والريادة فعندي أنه مفترق فيها مجيء ذي