سُورَةُ لُقْمَان
قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ... (١٦)﴾
قال ابن عرفة: اختلفوا هل ابتداء وصية أخرى من لقمان لولده، أو جواب عن سؤال مقدر سأله عنه ولده؛ لأنه لما أوصاه باعتقاد وجود الله تعالى ووحدانيته ونفي الشريك عنه، سأله عن صفاته من العلم والقدرة والإرادة، فأجابه بهذا.
وقوله تعالى: (إِنَّهَا)، قال أبو حيان: إنها ضمير القصة، وقال الزمخشري: الضمير راجع للهيئة من الإساءة والإحسان، أي الفعلة، وقال ابن عطية: المضمر للفعلة.
قال ابن عرفة: والظاهر أنه غير ماهية الشيء لتناول الجواهر والأعراض والفعلة عرض، وكذلك الهيئة والقصة.
قوله تعالى: (مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ).
وقال تعالى في سورة إذا زلزلت: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، ولم يقل: (مِثقَالَ حَبَّةٍ)؟ فأجيب: بأن الخطاب هنا خاص بمعنيٍّ وهو ولد لقمان، فتناسب ذكر الحبة التي هي أظهر وأجلى وأخص من الذرة، والخطاب هناك عام، فناسب تعلقه بالذرة التي هي أعم من الحبة وأخف، فإن قلت: ما أفاد لفظة مثقال؟ قلنا: الخطاب بتعلق القدرة بالحبة خاص بها، والخطاب بتعلقها بمثقالها عام فيها، وفي كل ما هو في وزنها مما ليس بحبة، فإن قلت: هلا قال: مثقال حبة خردل بالإضافة، قلنا: نص التخصيص بعد الإبهام، كقوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)، ولم يقل: قواعد البيت، فإن قلت: ما أفاد، قوله (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ)، [وهلا قال (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)؟ *] قلنا: أما على قراءة فتكن بالتشديد فالفائدة ظاهرة، وأما على قراءة التخفيف فوجه [فائدته*] تظهر بما قال المفسرون، في قوله تعالى: (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ)، إنه راجع إما لصفة القدرة، أو لصفة العلم، فإن كان لصفة القدرة، فيقول: ذكر الأصوليون أن الحادث قبل حدوثه لَا تعلق به قدرة بلا خلاف، وحين حدوثه فهي متعلقة به بلا خلاف وبعد حدوثه، قال في الإرشاد: اتفقوا على أنها غير متعلقة به فيكون قوله تعالى: (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ)، فمعنى إن توجد مثقال حبة، وقوله تعالى: (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ)، أي فتبقى في الصخرة.


الصفحة التالية
Icon