سُورَةُ الذَّارِيَاتِ
قوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ... (١)﴾
قال ابن عرفة: أكد (وَالذَّارِيَاتِ) بالمصدر ولم يذكر مفعولها، وذكر مفعول الحاملات ولم يؤكدها بالمصدر، فما السر في ذلك؟ قال: والجواب: أن الحمل لما كان حامله محسوسا مشاهدا حصل العلم بمحمول ما بالإطلاق، ولما كانت القرابة في شدة المحمول وقوته، صرح بمفعول يناسبه، وهو العظيم الثقل، فيستلزم قوة حامله، ولما كان لقاء الذاريات صالحا للقوة، والفعل أكده بالمصدر ليفيد أنها بالقوة والفعل.
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)﴾ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ)
أخذ من هنا بعضهم [أن*] اللازم في قول القائل: أنت طالق فأنت طالق فأنت طالق واحدة، وتقريره أن هذه الألفاظ مقتضيات للطلاق، وألفاظ القسم مقتضيات للجواب، والأصل تعدد المقتضي لتعدد المقتضى، فلما اكتفى [بهذا*] القسم هنا بجواب واحد؛ لزم كذلك في الطلاق، قال: والجواب: عن هذا بأن اقتضاء القسم للجواب أمر لغوي لفظي، لأن عند قوله تعالى: (فَالْحَامِلاتِ) [لو لم يأت*] الجواب لما أفاد شيئا.
قال ابن عرفة: [فائدة اقتضاء الطلاق*] لزوال العصمة أمر شرعي، بدليل أنه لو سكت عند قوله أولا أنت طالق لترتب الحكم عليه بالطلاق، ولو سكت عند قوله: (وَالذَّارِيَاتِ) (فَالْحَامِلاتِ) ولم يأت الجواب لما أفاد شيئا.
قال ابن عرفة: وفي هذه الآية رد على من يقول لَا يلزم المجتهد أن يحفظ من القرآن إلا [آيات*] الأحكام لاحتمال استنباط هذه الحكم، أعني لزوم واحدة الطلاق، فهذا الوجه وهو حكم شرعي وعدم حرمة اليمين بغير الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)﴾
لا شك في وقوع الموعود به للزومية صدق الوعد سمعا، فما السر في التصريح به.
قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)﴾.. ولم يقل: إنكم لذو قول مختلف مع أن ذو تدل على اتصاف القائل باختلاف القول حقيقة، فإنما عدل إلى اللفظ في الدال على ظرفية القول للقائل لأنه يلتزم اختلاف القائلين في القول، ويلزم التناقض بقوله: مختلف فهو أبلغ في القرابة، ولذلك أكده باللام [ولو*] أريد مجرد الاختلاف لما كان فيه قرابة؛ لأن مطلق اختلاف القول معلوم عندهم.


الصفحة التالية
Icon