سُورَةُ التَّغَابُنِ
قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ... (١)﴾
عبر هنا وفي الجمعة عن التسبيح بالمستقبل، وفي الحديد والحشر والصف بلفظ الماضي، والجواب: أن الماضي [حقيقته*] الانقطاع وعدم التزايد، وعدم التغير والتجدد، والمستقبل من شأنه الدوام والتجدد والتغير، وهو قابل للتزايد، والعزة وصف ثابت للموصوف، لأنها من صفة ذاته لَا تتعلق بالغير، [**والملك معروض الغير، والزيادة والنقص لتعلقه بالغير]، تقول: ملك فلان أعظم من ملك فلان، قال تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ) الآية، فهو يتزايد بحسب متملكاته، والتسبيح في آية الماضي يعقب بوصف العزة، وفي آية المستقبل يعقب وصفه الملك، فإن قلت: في آخر سورة الحشر (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، قلت: تقدمها (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) إلى آخره، عبر بالمضارع اعتبارا بما قبله، فإِن قلت: ذكر هنا متعلق التسبيح دون [وقته*]، وقال في الأنبياء (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)، فذكر وقته دون متعلقه؟ فالجواب: أن المسبح هناك الملائكة، وهم معصومون، فمعلوم أنهم إنما يسبحون الله، وإنما يتوهم ذهول الذهن عن دوام تسبيحهم وانقطاعه، فذكر ما يتوهم جهله، والغفلة عنه وعنا [... ]. في أن العبد يخلق أفعاله وهل [التسبيح*] إما في الحال، فيكون عاما في كل شيء، فهو [مجاز*]، أو بلسان المقال، فيكون خاصا بالعاقل، فيتعارض التخصيص والمجاز، فإِن قلت: كيف يصح المجاز مع أن الحقيقة موجودة في البعض، والمسبح بلسان المقال؟ قلت: يصح؛ ألا ترى أن الفخر قال: في دلالة المطابقة والتضمن من حيث هو جزاؤه وكذا في [دلالة الالتزام*]، فرآه من حيث هو في [الدلالات الثلاث*]، فإن قلت: لم أعاد لفظ (ما) هنا دون الحديد؟ فالجواب: أنه لما ذكر السماوات والأرض هناك في أربعة مواضع، كانت بمنزلة الشيء الواحد*]، فاستغنى عن إعادة الموصول.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ... (٢)﴾
فصل هذه الجملة عما قبلها؛ لجريانها مجرى الدليل عليهما، كأنه قيل: [لِمَ*] يسبحونه؟ فقال: لأنه خلقهم.