سُورَةُ الْإِنْسَانِ
قوله تعالى: ﴿هَلْ... (١)﴾
ابن هشام: هل تأتي بمعنى قد، وذلك مع الفعل؛ وبه فسر قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) جماعة منهم ابن عباس رضي الله عنهما، والكسائي، والفراء، والمبرد، قال في مقتضبه: هل للاستفهام نحو هل جاء زيد ويكون بمنزلة قد، نحو قوله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ).
وبالغ الزمخشري فزعم أنها أبدًا بمعنى قد، وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدرة معها، ونقله في المفصل عن سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها؛ لأنها لَا تقع إلا في الاستفهام، وقد جاء [**وهو لهما عليه] في قوله: "أهل رأونا [بسفع*] القاع ذي الأكم"، ولو كان كما ذكر لم تدخل إلا على الفعل كقد إذ [لم تأت*] في كتب سيبويه، وما نقله عنه إنما قال في [أبواب عدة*] ما يكون عليه الكلام، ما نصه، وهل هي للاستفهام؟ لم يرد على ذلك، وقال الزمخشري في كشافه: (هَل أَتَى) [أقد أتى؟ على التقرير والتقريب جميعا، أى: أتى على الإنسان قبل زمان قريب حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ فيه شَيْئاً مَذْكُوراً أى كان شيئا منسيا غير مذكور نطفة في الأصلاب والمراد بالإنسان: جنس بنى آدم، بدليل قوله إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ*]، انتهى. وفسرها غيره بـ قد خاصة، ولم يحملوا قد على معنى التقريب، وقال بعضهم: معناه التوقع، وكأنه قيل لقوم يتوقعون الخبر عن ما أتى الإنسان، وهو آدم عليه السلام، قال: والخبر من كونه طينا، وفي تسهيل ابن مالك: الآيتين [... ] هل [(قد) *] إذا دخل عليها الهمزة بمعنى كما في البيت ومفهومه أنها لَا تتعين لذلك إذا لم تدخل عليها؛ بل قد تأتي لذلك كما في الآية، وقد لَا تأتي لم، وقد عكس كونهم، قاله الزمخشري فزعموا أن مثل هل (لَا) تأتي بمعنى (قد) مثلا، وهذا هو الصواب عندي أن لَا يتمسك لمن أثبت ذلك لأحد ثلاثة أمور أحدهما: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما ولعلمه إنما أراد أن الاستفهام في الآية للتقرير وليس باستفهام حقيقي، وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، فقال بعضهم: هل هنا للاستفهام التقريري والمقرر به من أنكر البعث، وقد علم أنهم يقولون: نعم قد مضى دهر طويل والإنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أحدث النَّاس بعد أن يكونوا كيف يمتنع عليه إحياؤهم بعد موتهم، وهو معنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى) أن من أنشأ شيئا بعد أن لم يكن، [قادرٌ*] على إعادته بعد موته، انتهى، وقال آخر؛ مثل ذلك إلا أنه فسر الحين بزمن التطوير في الرحم، فقال: المعنى ألم يأت على النَّاس [حين*] من الدهر كانوا نطفا، ثم علقا ثم مضغة إلى أن صاروا


الصفحة التالية
Icon