سُورَةُ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ (١)
ولم تبت يدا أبي لهب؟؛ لأن اليد [محل القوة والتكسب*]، فإسناد التب إليهما يستلزم تباب الجميع، بخلاف ما لو قيل: تب أبو لهب لاحتمل أنه تب لتوب ولده أو جاريته أو ضاع بعض ماله، ثم قال (وَتَبَّ) لأحد معنيين: إما لنفي احتمال أن يكون تب يداه فقط، وإمَّا [لتحقق*] وقوع ذلك حتى كأنه موجود في الحال.
قال الشاعر:

جزى ربُّهُ عني عديَّ بن حاتم جزَاء الكلابِ العاويات وقد فَعَلْ
قال الزمخشري [في*] قوله تعالى: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ... (٢).. تقديم المجرور إشارة إلى أنه هو المقصود الأعم [بالذكر*]، قيل لابن عرفة: وما يحتمل أن يكون نافيها، واستفهامه في معنى النفي، فقال: كونها نافية أجود؛ لأن الاستفهام في معنى النفي يقتضي أن المخاطب به توافق، والمنقول في السير: أن ذلك لم يقع حتى يوافق المخاطب عليه، وإنما توعد بوقوعه في الآخرة هو نفي حقيقة، وقال هنا [مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ*]، [بلفظ الماضي*]: وفي سورة الليل (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) بالمضارع؟ فالجواب أنه سابق إلى تحقيق وقوع ذلك، قلت: وأيضا فهو في سورة الليل معطوف على جملة مستقبلة وهي (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)، أو معنى لجملة مستقبلة، وهنا أتى بجملة ماضية، فناسب فيه المعنى.
قوله تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)﴾
هذا إما تفسير لـ (تَبَّتْ)، أو زيادة في ذمه، والنفي عليه؛ [لأنه إن كان التب أعم فيشمل*] دنياه وآخرته، وباعتبار تقديمه بالنار في الآخرة فهو تفسير؛ ولذلك أتت الجملة غير معطوفة، وإن كان التب في الدنيا أو في الآخرة على الجملة؛ فهو تأسيس، وبيان، ويكون خسرانه باعتبار ما يناله في عرصات القيامة من الأهوال.
قوله تعالى: (ذَاتَ لَهَبٍ).


الصفحة التالية
Icon