القول في سورة الدخان
﴿إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ﴾ (٣) [الدخان: ٣] أي أنزلناه يعني القرآن.
﴿أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ﴾ (٥) [الدخان: ٥] يحتج به على قدم القرآن المسموع؛ لأنه أمر الله والأمر قديم، وقد سبق القول فيه.
﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ﴾ (٢١) [الدخان: ٢١] احتج بعض المعتزلة على شرف طائفتهم بأن اسمهم مشتق من عزل والاعتزال، ولم تذكر هذه المادة في القرآن إلا في سياق الخير، نحو: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ (٤٨) [مريم: ٤٨]، ﴿فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا﴾ (٤٩) [مريم: ٤٩]، ﴿وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (٢٢٢) [البقرة: ٢٢٢] ونحوه، فينتقض عليهم بهذه الآية؛ فإن فيها اعتزال الكفار عن الرسول والهدى، وهو [شر، و] بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذ سجد ابن آدم اعتزل الشيطان يبكي» (١) وإنما الاعتزال الانفراد بمعزل، وهو قد يكون في الخير، وقد يكون في الشر، فلا حجة فيه [ولا استشهاد].
وإن ساغ ذلك لهم ساغ للخوارج أن يقولوا: اسمنا مشتق من الخروج ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ (٢٥٧) [البقرة: ٢٥٧] [وللجبرية أن يقولوا]: اسمنا مشتق من الجبر ضد الكسر، وللشيعة أن يقولوا: اسمنا مشتق من مشايعة الحق، ومن قوله-عز وجل-: ﴿*وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ﴾ (٨٣) [الصافات: ٨٣] وللأشعرية أن يقولوا: اسمنا مشتق من الشعور، وهو


الصفحة التالية
Icon