الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند، والبيقي في الشُّعب - واللفظ له - بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [أتيتُ ليلة أُسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريضَ من نار، كلما قُرِضت وفَتْ، فقلتُ يا جبريلُ من هؤلاء؟ قال: خطباءُ أمتِكَ الذينَ يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤون كتابَ الله ولا يعملون به] (١).
وفي لفظ أحمد: [مررت ليلة أسري بي على قوم تُقْرَضُ شفاههم بمقاريضَ من نار. قال: قلت: من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك من أهل الدنيا، ممن كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الطبراني والبزار بسند جيد عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - ﷺ -: [مثَلُ العالِم الذي يُعَلِّمُ الناس الخيرَ، ولا يعمل به (وفي رواية: وينسى نفسه)، كمثل السراج يضيء للناس، ويُحْرِقُ نَفْسَه] (٣).
وأما الآثار في ذلك فكثيرة، منها:
١ - يروي ابن مَرْدَوَيه في تفسيره عن الضحاك، عن ابن عباس: (أنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس، إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: أو بلغت ذلك؟ قال: أرجو. قال: إن لم تخش أن تُفْتَضَحَ بثلاث آيات من كتاب الله فافعل. قال: وما هن؟ قال: قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾. أحكمت هذه؟ قال: لا. قال: فالحرف الثاني؟ قال: قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)﴾ [الصف]. أحكمت هذه؟ قال: لا. قال: فالحرف الثالث؟ قال: قول العبد الصالح شعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ﴾ [هود: ٨٨]. أحكمت هذه الآية؟ قال: لا. قال: فابدأ بنفسك).
٢ - يروي الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن إبراهيم النَّخَعي قال: (إني لأكره القصص لثلاث آيات: قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾، وقوله:
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد في المسند (٣/ ١٢٠ - ١٨٠ - ٢٣١ - ٢٣٩)، وهو حسن لغيره.
(٣) حديث صحيح. أخرجه الطبراني كما في "مجمع الزوائد" (١/ ١٨٤)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير- حديث رقم - (٥٧٠٧).