الآية (٥٢)
قالَ الله - عز وجل -: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢)﴾ [سبأ: ٥٢].
* * *
قوله: ﴿وَقَالُوا﴾ أي: عِنْد فزَعِهم وعند أَخْذهم من هذا المكان القريب؛ قالوا: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ أي: بما كُنَّا كافِرين به في الأوَّل. فيَشمَل الإيمان بمُحمَّد - ﷺ -، والإيمانَ بمُوسى وعِيسَى وإبراهيمَ وغيرهم مِن الرُّسُل - عليه السلام -، هذا إذا كان الكلام عامًّا في جميع الكُفَّار، فإن كان خاصًّا بكُفَّار قُرَيْشٍ فالمُرادُ ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ أي: بمُحمَّد - ﷺ -. الذي قالوا عنه: إنه كذَّاب. وبالقُرآن الذي قالوا عنه: إنه سِحْر.
وقول المُفَسِّر -رحمه الله -: [﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ بِوَاوٍ وَالهمزَةُ بَدلَها ﴿التَّنَاوُشُ﴾ و (التّنَاؤُشُ)] والهمزة بدَلٌ من الواو، و ﴿التَّنَاوُشُ﴾ مَعناه: أَخْذ الشيءِ من بعيد، يُقال: تَناوَشْت الشيء، يَعنِي أَخَذْته بأطراف أَصابِعي على بُعد؛ أي: أنهم لن يَتَمكَّنوا من تحقيق ما أَرادُوه من الإيمان، ولا من بُعْد؛ ولهذا قال - سبحانه وتعالى -: ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾.
وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿وَأَنَّى﴾ هنا استِفْهام بمَعنَى الاستِبْعاد؛ يَعنِي أنه يَبعُد لهم التَّناوُش من المكان البعيد، لأن الذي يَتَناوَل الشيء إذا كان عن قُرب يُقال: تَناوَله وأَدرَكَه. وأمَّا إذا كان عن بُعد فيُقال: تَناوَشَه.


الصفحة التالية
Icon