الآيتان (٢٣، ٢٤)
* * *
* قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: ٢٣ - ٢٤].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [﴿قَالَ فِرْعَوْنُ﴾ لمُوسَى ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الَّذِي قلتَ: إنَّك رسوله؟ أي: أيُّ شيْءٍ هو؟ ولَمَّا لم يكنْ سَبيل للخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَةِ حَقيقتِهِ تعالى، وإنَّما يَعْرِفُونه بصفاتِهِ، أجابه مُوسَى ببعضِها ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾].
هذا الكَلام الَّذِي قاله المُفسِّر فِي تفسيرِ الجُملةِ بعيدٌ منَ الصَّوابِ كلَّ البُعْدِ؛ قوله: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ من المعروف أن (مَا) يُستفهَم بِهَا عن الحَقِيقَةِ، فتقول: ما الذهَب؟ يُقال مثلًا: هُوَ مَعْدِنٌ نَفيس.. إِلَى آخره، تقول مثلًا: ما العِلم؟ تقول: إدراكُ الشَّيْءِ عَلَى ما هُوَ عليه إدراكًا جازمًا، فـ (ما) يُسْتَفْهَم بِهَا فِي الأَصْلِ عنِ الحَقِيقَةِ.
ويدّعي المُفسِّر أنَّ فِرْعَوْن استفهمَ عن ذلك - عن الحَقِيقَة - ولكنَّه لَيْسَ كذلكَ، ففِرْعَوْن استفهمَ عن هَذهِ الربوبيَّة؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، فما هَذِهِ الربوبيَّة الَّتِي زعمتَ أنَّ الله تعالى أرسلكَ وَهُوَ ربُّ العالمين؟ !
لأننا لو قلنا: إنَّه يَسْتَفْهِم عن حقيقةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَلَزِمَ منْ ذلك أن يكونَ قد أقرَّ به، وَهُوَ لم يُقِرَّ بِهِ حَتَّى يسأل عن حقيقةِ هَذَا الربِّ، وإنَّما يُنْكِر الربَّ أصلًا،


الصفحة التالية
Icon