﴿وَمَن تَأَخَّرَ﴾ في النفر حتى رمى في اليوم الثالثِ قبل الزوالِ أو بعده، وعند الشافعيّ بعده فقط، ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ بما صنعَ من التأخُّرِ، والمرادُ: التخييرُ بين التعجل والتأخر، ولا يقدح فيه أفضليةُ الثاني، وإنما ورد بنفي الإثم؛ تصريحاً بالرد على أهل الجاهلية حيث كانوا مختلفين فمن مُؤثِّمٍ للمتعجل ومؤثمٍ للمتأخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وكأن المصنف تساهل في البيان؛ لأنه معلوم في الفروع (١)، مفرغ منه." (٢) أهـ
وفي (ز):
" اعلم أن الفقهاء قالوا: إنما يجوز التعجيل في اليومين لمن رمى اليوم الثاني، وتعجل قبل غروب الشمس، فإن غربت شمس الثاني قبل النفر لم يكن له نفر إلا في اليوم الثالث، فيلزمه مبيت بمنى ورمي فيه؛ لأن الشمس إذا غابت ذهب اليوم ولم يجعل له التعجيل إلا في اليومين.
وهذا مذهب الشافعي وقول كثير من الفقهاء والتابعين.
وعند أبي حنيفة: له أن ينفر مالم يطلع الفجر؛ لأنه لم ينفر في وقت الرمي بعده (٣)." (٤) أهـ
(والمراد إلخ): عبارة (ق): " ومعنى نفي الإثم بالتعجل والتأخر: التخيير بينهما، والرد على أهل الجاهلية؛ فإن منهم من أَثَّمَ المُتعجل، ومنهم من أَثَّمَ المُتأخر. (٥) " (٦) أهـ

(١) الفروع: يقصد بها كتب "الفقه" الذي هو: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية، المكتسب من أدلتها التفصيلية. أما الأصول فهي كتب "أصول الفقه" الذي هو: القواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية. ينظر: القاموس الفقهي - حرف الفاء (١/ ٢٩٠)، معجم لغة الفقهاء-حرف الهمزة (١/ ٧٢).
(٢) حاشية الشهاب على البيضاوي (٢/ ٢٩٤).
(٣) ينظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (١/ ١٤٦) [لعلي بن أبي بكر الفرغاني ت: ٥٩٣ هـ، تحقيق: طلال يوسف، دار احياء التراث العربي - بيروت - لبنان]، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (٢/ ٢٧٤) [للخطيب الشربيني ت: ٩٧٧ هـ، دار الكتب العلمية، ط: الأولى، ١٤١٥ هـ - ١٩٩٤ م].
(٤) حاشية زادة على البيضاوي (٢/ ٤٩٨).
(٥) المقام هنا يقتضي نفي الإثم عن المتعجل فقط؛ لأنه هو الآخذ بالرخصة، ولكنه - تعالى - نفى الإثم عن المتأخر أيضا، مع أنه لم يفعل شاء يقتضي نفي الإثم عنه، وذكر العلماء أن ذلك لحكم منها:
أن مَعْنَى نَفْيِ الْإِثْمِ فِيهِمَا كِنَايَةً عَنِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهما، وَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَفْضَلَ، كَمَا خُيِّرَ الْمُسَافِرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ.
وَقِيلَ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الرُّخْصَةِ.
وَقِيلَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَرِيقَيْنِ: مَنْ يُؤَثِّمُ الْمُتَعَجِّلَ، وَمَنْ يُؤَثِّمُ الْمُتَأَخِّرَ، فرفعِ الْقُرْآنُ الْإِثْمِ عَنْهُمَا.
وَقِيلَ: إِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ عَنِ الْمَغْفِرَةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَمَنْ مَعَهُ.
ينظر: مفاتيح الغيب (٥/ ٣٤٢)، البحر المحيط (٢/ ٣٢٣)، التحرير والتنوير (٢/ ٢٦٣).
(٦) تفسير البيضاوي (١/ ١٣٢).


الصفحة التالية
Icon