﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ أي: انتهى أمرُهم من الشدة إلى حيث اضطَرَّهم الضَّجرُ إلى أن يقول الرسولُ - وهو أعلمُ الناس بشئون اللَّهِ تعالى وأوثقُهم بنصره - والمؤمنون المقتدون بآثاره المستضيئون بأنواره:
﴿مَتَى﴾ أي: متى يأتي؟
﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾ طلباً وتمنياً له، واسْتطالةً لمدة الشدة والعناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
﴿حَتَّى يَقُولَ (١)﴾ في (ك):
أي: " إلى الغاية التي قال الرسول ومن معه فيها: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾، أي: بلغ بهم الضجر ولم يبق لهم صبر حتى قالوا ذلك (٢)." (٣) أهـ
كتب السعد على (قال الرسول):
" إشارة إلى أن المعنى على المضي، سواء قرئ بالرفع على حكاية الحال الماضية، أو بالنصب على الاستقبال، بالنظر إلى ما قبله، أعني: ﴿وَزُلْزِلُوا﴾، وكيفما كان فهو غاية تدل على تناهي الأمر في الشدة، حيث ضج وضجر، واستبطأ النصر من هو في غاية الثبات والنصر." (٤)
_________
(١) في ب بزيادة: الرسول.
(٢) ذكر المفسرون أقوالا عدة في تفسير هذه الآية، جمعها الأمام أبو حيان في " البحر المحيط " (٢/ ٣٧٤ - ٣٧٥) حيث قال ما ملخصه: " فَقِيلَ [يقصد: قال الرسول والمؤمنون]: ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَالِاسْتِعْلَامِ لِوَقْتِ النَّصْرِ، فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ: أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَتَانِ دَاخِلَتَيْنِ تَحْتَ الْقَوْلِ، وَأَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مِنْ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالُوا ذَلِكَ؛ اسْتِبْطَاءً لِلنَّصْرِ وَضَجَرًا مِمَّا نَالَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ، وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِهِمْ؛ إِجَابَةً لَهُمْ وَإِعْلَامًا بِقُرْبِ النَّصْرِ، فَتَعُودُ كُلُّ جُمْلَةٍ لِمَنْ يُنَاسِبُهَا، وَصَحَّ نِسْبَةُ الْمَجْمُوعِ لِلْمَجْمُوعِ، لَا نِسْبَةُ الْمَجْمُوعِ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْقَائِلِينَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، التَّقْدِيرُ: حَتَّى يَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا مَتَّى نَصْرُ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ الرَّسُولُ: أَلَا إِنَّ نَصَرَ اللَّهُ قَرِيبٌ، فَقَدَّمَ الرَّسُولَ فِي الرُّتْبَةِ؛ لِمَكَانَتِهِ، وَقَدَّمَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِتَقَدُّمِهِ فِي الزَّمَانِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ [في " المحرر الوجيز (١/ ٢٨٨)]: " وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِهِ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ. انْتَهَى." وَقَوْلُهُ [أي الإمام ابن عطية] حَسَنٌ؛ إِذِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مِمَّا يَخْتَصَّانِ بِالضَّرُورَةِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ [المرجع نفسه]: " وَأَكْثَرُ الْمُتَأَوِّلِينَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ عَلَى طَلَبِ اسْتِعْجَالِ النَّصْرِ، لَا عَلَى شَكٍّ وَلَا ارْتِيَابٍ، وَالرَّسُولُ: اسْمُ الْجِنْسِ، وَذَكَرَهُ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِلنَّازِلَةِ الَّتِي دَعَتِ الرَّسُولَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ. انْتَهَى كَلَامُهُ."
[قال الإمام أبو حيان]: وَاللَّائِقُ بِأَحْوَالِ الرُّسُلِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ."
(٣) تفسير الكشاف (١/ ٢٥٦).
(٤) مخطوط حاشية سعد الدين التفتازاني على الكشاف لوحة (١٣٥ / أ).


الصفحة التالية
Icon