١٠٦ - قوله -عز وجل-: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ﴾ اختلف النحاة في العامل في ﴿مِّن﴾ في قوله تعالى: ﴿مَن كفَرَ باللَّهِ﴾ وقوله: ﴿وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ فقال نحاة الكوفة: جوابهما جميعًا في قوله: ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ لأنهما جزاءان اجتمعا، أحدهما منعقد بالآخر فجوابهما واحد، كقول القائل: من يأتنا ممن يحسن نكرمه، بمعنى: من يحسن ممن يأتنا نكرمه، وقال أهل البصرة: قوله: ﴿مَّن كَفَر﴾ مرفوع بالرد على الذين في قوله: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ ومعنى الكلام: إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه، ثم استثنى تعالى فقال: ﴿إِلَّا مَن أُكرِه﴾ على الكفر ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذِه الآية في عمار - رضي الله عنه- وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرًا وأمه سمية وصهيبًا وبلالًا وخبابًا وسالمًا رضي الله عنهم فعذبوهم، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال فقتلت، وقتل زوجها ياسر -وهما رضي الله عنهما أول قتيلين في الإسلام رحمة الله ورضوانه (١) عليهما- وأما عمار رضي الله عنه فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها (٢).
(٢) هذا السبب ذكره بهذا السياق تعليقًا البغوي في "معالم التنزيل" ٥/ ٤٥ - ٤٦، وأشار إليه ابن الجوزي بقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أكرِه﴾ فاختلفوا فيمن نزل على =