سورة الأنبياء
قوله تعالى :﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ الآية.
اللام متعلّقة بـ " اقْتَرَبَ "، قال الزمخشري : هذه اللام لا تخلو إمَّا ان تكن صلة لـ " اقْتَرَبَ "، أو تأكيداً لإضافة الحساب إليهم كقولك : أَزِفَ للحيّ رَحِيلُهُمْ، الأصل : أَزِف رحيلُ الحيّ، ثم أزف للحيّ الرحيلُ، ثم أزف للحي رَحِيلُهُمْ، ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثنى فيه المستقر توكيداً، نحو عَلَيْكَ زَيْدٌ حَرِيصٌ عضلَيكَ، وفِيكَ زيدٌ رَاغِبٌ فِيكَ، ومنه قولهم : لاَ أَبَا لكَ، لأنّ اللام مؤكدة لمعنى الإضافة،
وهذا الوجه أغرب من الأول.
قال أبو حيَّان : يعني بقوله : صلة لـ " اقْتَرَبَ " أي " متعلقة به، وأما جعله اللام توكيداً لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحدا يقول ذلك، وأيضاً فيحتاج إلى ما يتعلق به، ولا يمكن تعلقها بـ " حِسَابُهُمْ " لأنَّه مصدر موصول، ولأنه قدم معموله عليه، وأيضاً فإنّ التوكيد يكون متأخراً عن المؤكد، وأيضاً فلو أخر في هذا التركيب لم يصح.
وأما تشبيهه بما أورده سيبويه فالفرق واضح، فإن (عَلَيْكَ) معمول لـ (حريص) و (عَلَيْك) المتأخرة تاكيد وكذلك (فِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌٌ فِيكَ) يتعلق (فِيكَ) بـ (رَاغِب) و (فِيكَ) الثانية توكيد، وإنَّمَا غره في ذلك صحة تركيب اقترب حساب الناس، وكذلك أزِفَ رحيلُ الحيّ، فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجروراً باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب : فِيكَ زَيْدٌ رَاغِبٌ فِيكَ، فليس مثله.
وأما (لاَ أَبَا لَكَ)، فهي مسألة مشكلة، وفيها خلاف، ويكن أن يقال فيها ذلك، لأنَّ اللام فيها جاورت الإضافة، ولا يقاس عليها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة.
قال شهاب الدين : مسألة الزمخشري أشبه شيء بمسألة (لاَ أَبَا لَكَ)،
٤٤٠
والمعنى الذي أورده صحيح، وأما كونها مشكلة فهو إنما بناها على قول الجمهور، والمشكل مقدر في بابه، فلا يضرنا القياس عليه لتقريره في مكانه.
قوله :﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ يجوز أنْ يكونَ الجار متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في " مُعْرِضُونَ " وأن يكون خبراً من الضمير، ومعرضون خب ثان وقول أبي البقاء في هذا الجار : إنه خبر ثان.
يعني في العدد وإلا فهو أول في الحقيقة.
وقد يقال : لمّا كان في تأويل المفرد جعل المفرد الصيح مقدماً في الرتبة، فهو ثان بهذا الاختيار.
وهذه الجملة في محل نصب على الحال من " للنَّاسِ ".
فصل نزلت في منكري البعث، والقرب لا يعقل إلا في المكان والزمان، والقرب المكاني هما ممتنع فتعين القرب الزماني.
فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد عبر هذا القول اكثر من ستمائة عام ؟ والجواب من وجوه : الأول : أنه مقترب عند الله، لقوله تعالى :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج : ٤٧].
الثاني : أنَّ كُلَّ آتٍ وإن طالت أوقات ترقبه، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر : ٣٧٠٣ - فَمَا زَالَ مَا تَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدٍ
وَلاَ زَالَ ما تَخْشَاهُ أبعدُ مِنْ أمسِ
اسم الكتاب : تفسير اللباب في علوم الكتاب
الثالث : أنَّ المقابلة إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر، فإنه لا يقال : اقترب الأجل، أمَّا إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال : اقترب الأجل.
فعلى هذا الوجه قال العلماء : إن فيه دلالة على قرب القيامة، ولهذا قال عليه السلام :" بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " وقال عليه السلام :" ختمت النبوة " كل ذلك لأجل
٤٤١


الصفحة التالية
Icon