سورة السجدة
مكية، وهي ثلاث وثلاثون آية وستمائة وثمانون كلمة، وألف وخمسمائة عشر حرفا.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٦٩
قوله :﴿الاما تَنزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾.
في " تنزيل " خمسة أوجه : أحدها : أنه خبر " الم "، (لأن الم) يراد به السورة وبعض القرآن، و " تَنْزِيلُ " بمعنى منزل، والجملة من قوله :﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ حال من " الكِتَابِ ".
والعامل فيها " تَنْزِيلُ "
٤٧٠
لأنه مصدر.
و " مِنْ رَبِّ " متعلق به أيضاً.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في " فِيهِ " ؛ لوقوعه خبراً، والعامل فيه الظرف، أو الاستقرار.
الثاين : أن يكون " تَنْزِيلُ " مبتدأ و ﴿لا ريب فيه﴾ خبره.
" وَمِنْ رَبِّ " حال من الضمير في " فيه " ولا يجوز حينئذ أن يتعلق بـ " تنزيل " ؛ لأن المصدر قد أخبر عنه فلا يعمل.
ومن يتسع في الجار لا يبالي بذلك.
الثالث : أن يكون " تنزيل " مبتدأ أيضاً و " من رب " خبره، و " لا ريب " حال من مُعْتَرِض.
الرابع : أن يكون " لا ريب " و " من رب العالمين " خبرين لـ " تَنْزِلُ ".
الخامس : أن يكون " تَنْزيلُ " خبر مبتدأ (مضمر)، وكذلك " لا ريب "، وكذلك " من رب " فتكون كل جملة مستقلة برأسها.
ويجوز أن يكون حالين من " تنزيل "، وأن يكون " من رب " هو الحال و " لا ريب " معترض وأول البقرة مرشد لهذا.
وجوز ابن عطية أي يكون ﴿مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ متعلقاً بـ " تنزيل ".
قال : على التقديم والتأخير.
ورده أبو حيان : بأنا إذا قلنا :﴿لاَ رَيْبَ فيه﴾ اعتراض لم يكن تقديماً وتأيخراً بل لو تأخر لم يكن اعتراضاً.
وجوز أيضاً أن يكون متعلقاً بلا ريب فيه من جهة رب العالمين وإن وقع شك الكفرة فذاك لا يراعى، قال مقاتل : لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين.
قوله :" أَمْ يَقُولُونَ " هي المنقطعة، والإضراب للانتقال لا للإبطال، وقيل : الميم صلة أي أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ.
وقيل : فيه إضمار مجازه فهل يؤمنون أم يقولون افتراه.
وقوله :﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ﴾ إضراب ثانٍ ولو قيل : بأنه إضرابُ إبطالٍ لنفس " افتراه " وحده لكان صواباً وعلى هذا يقال : كل ما في القرآن إضراب وهو انتقال إلا هذا فإنه يجوز أن يكون إبطالاً لأنه إبطال لقولهم، أي ليس هو كما قالوا مُفْتَرى بل هو الحق.
وفي كلام الزَّمَخْشَرِي ما يرشد إلى هذا فإنه قال : والضمير
٤٧١
في " فيه " راجعٌ إلى مضمون الجملة كأنه قيل لا ريبَ في ذلك أي في كونه من رب العالمين ويشهد لواجهته :﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ ؛ لأن قولهم مفترىً إنكار لأن يكون من رب العالمين وكذلك قوله :﴿بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ وما فيه من تقرير أنه من الله وهذا أسلوب صحيحٌ محكَمٌ.
قوله :" مِنْ رَبِّكَ " حال من " الحَقِّ " والعامل فيه محذوف على القاعدة وهو العامل في " لِتُنْذِرَ " ويجوز أن يكون العامل في :" لتنذر " غيره أي أنْزَلَهُ لِتُنْذِرَ.
قوله :﴿قَوْماً مَا أَتَاهُمْ﴾ الظاهر أن المفعول الثاني للإنذار محذوف، و " قوماً " هو الأول، إذ التقدير : لتنذر قوماً العقابَ و " مَا أتَاهُمْ " جملة منفية في محل نصب صفة " لقوماً " يريد الذين في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
وجعله الزمخشري كقوله :﴿لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ﴾ [يس : ٦] فعلى هذا يكون " من نذير " هو فاعل " أَتَاهُمْ " و " من " مزيدة فيه و " مِنْ قَبْلِكَ " صفة " لِنَذير "، ويجوز أن يتعلق " مِنْ قَبْلِكَ " " بأَتَاهُمْ ".
وجوز أبو حيان أن تكون " ما " موصولة في الموضعين والتقدير : لتنذر قوماً العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك و " مِنْ نَذِيرٍ " متعلق " بأَتَاهُمْ " أي أتاهم على لسان نذير من قبلك وكذلك ﴿لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم﴾ أي العقاب الذي أنذرَهُ آباؤُهُمْ، " فما " مفعولة في الموضعين، و " أنذر " يتعدى إلى اثنين قال الله تعالى :﴿فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً﴾ [فصلت : ١٣] وهذا القول جارٍ على لظواهر القرآن قَالَ تَعَالَى :﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر : ٢٤] ﴿أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ﴾ [المائدة : ١٩] هذا الذي قال ظاهر، ويظهر أن في الآية الأخرى وجهاً آخر وهو أن تكون " ما " مصدرية تقديره لتنذر قوماً إنذَار آبائهم لأن الرسل كُلَّهُمْ متفقون على كلمة الحق.

فصل المعنى بل هو يعني القرآن الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبْلِكَ.


قال قتادة : كانوا أمةً لم يأتهم نذير قبل محمد - ﷺ - (قال ابن عباس ومقاتل : ذاك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد - ﷺ - ) " لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ".
قوله :﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ لما ذكر الرسالة، وبين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل فقال :﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾، (واللَّهُ مبتدأ، وخبره " الَّذِي خَلَقَ " يعني الله هو الذي خلق
٤٧٢


الصفحة التالية
Icon