سورة التغابن
مدنية في قول الأكثرين.
وقال الضحاك : مكية.
وقال الكلبي : هي مدنية ومكية.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن سورة "التغابن" نزلت ب "مكة" إلا آيات من آخرهانزلت ب "المدينة" في عوف بن مالك الأشجعي، شكا إلى رسول الله ﷺ جفاء أهله وولده، فانزل الله _ عز وجل _ :﴿يا أيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم﴾ [التغابن : ١٤] إلى آخرها.
وهي ثماني عشرة آية ومائتان وإحدى وأربعون كلمة، وألف وسبعون حرفا.
عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :"ما من مولود يولد إلا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التغابن".
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٢١
قوله تعالى :﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾.
تقدم نظيره.
قال ابن الخطيب : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها، هو أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين، وهذه السورة للموافقين الصادقين، وأيضاً فإن تلك السورة مشتملة على ذكر النفاق سرّاً وعلانية، وهذه السورة مشتملة على التهديد البالغ لهم عن ذلك، وهو قوله تعالى :﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، وأما تعلق هذه السورة بآخر التي قبلها فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما تقدم، وفي أول هذه السورة أشارة إلى أن في الناس أقواماً يواظبون على الذِّكر والشكر دائماً وهم الذين يُسَبِّحُون، كما قال تعالى :﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾.
قوله :﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾.
مبتدأ وخبر، وقدم الخبر ليفيد اختصاص الملك والحمد لله تعالى، إذ الملك والحمد له - تعالى - حقيقة ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
قوله :﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً.
وروى أبو سعيد الخردي قال :" خطبنا رسول الله ﷺ عشية فذكر شيئاً مما يكون، فقال :" يُولَدُ النَّاسُ على طَبقاتٍ شَتَّى : يُولَدُ الرَّجُلُ مؤمِناً ويَعيشُ مُؤمِناً ويمثوتُ مُؤمِناً ويُولَدُ الرَّجُلُ كَافِراً ويعيشُ كَافِراً ويمُوتُ كَافِراً، ويُولَدُ الرَّجُلُ مُؤِمناً ويَعِيشُ مُؤمِناً ويَمُوتُ كَافِراً، ويُولَدُ الرَّجلُ كَافِراً ويَعيشُ كَافِراً ويَمُوتُ كُؤمِناً " قوال ابن مسعود :" قال النبي ﷺ :" خَلَق اللَّهُ فِرْعونَ في بَطْنِ أمِّهِ كَافِراً، وخلق يَحْيَى بْنَ زكريَّا في بَطْنِ أمِّهِ مُؤمِناً "
١٢٣
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود :" وإنَّ أحَدَكُمْ ليَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى ما يكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ أو باعٌ فيَسبقُ عليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بعَملِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وإن كان أحَدُكُمْ ليَعْمَلُ بِعَملِ أهْلِ النَّارِ حتَّى ما يكُونَ بَيْنَهُ وبَيءنَهَا إلاَّ ذراعٌ أو باعٌ فَيَسْبِقُ عليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمِل أهْلِ الجنَّةِ فَيدخُلُهَا " وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله ﷺ قال :" إنَّ الرَّجُلَ ليَعملُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو للنَّاسِ وهُوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيْعَملُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ فيمَا يَبْدُو للنَّاسِ وهُوَ من أهْلِ الجَنَّةِ " قال القطربي رحمه الله : قال علماؤنا : والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم، فيجري ما علم وأراد وحكم، فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحولا، وقد يريده إلى وقت معلوم، وكذلك الكفر.
وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق، فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه.
قاله الحسن.
وقال غيره : لا حذف فيه ؛ لأن المقصود ذكر الطرفين.
وقيل : إنه خلق الخلق ثم كفر وآمنوا، والتقدير :" هُو الَّذي خَلقُكُمْ "، ثم وصفهم فقال :﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ كقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور : ٤٥] الآية، قالوا : فالله خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾، واحتجوا بقوله عيه الصلاة والسلام :" كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ فأبواهُ يَهوِّدانهِ ويُنصِّرانهِ ويُمْجِّسانِهِ " قال البغوي : وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال :" قال رسول الله ﷺ " إن الغلامَ الذي قَتلهُ الخضِرُ طُبعَ كافراً " وقال تعالى :﴿وَلاَ يَلِدُوا ااْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً﴾ [نوح : ٢٧].
وروى أنس " عن النبي ﷺ قال :" وكل اللَّهُ بالرَّحمِ مَلكاً، فيقُولُ : أي : ربِّ نُطفَةٌ،
١٢٤


الصفحة التالية
Icon