سورة الطلاق
مدنية، وهي إحدى عشرة آية ومائتان وتسع واربعون كلمة وألف وستون حرفا.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ١٤١
قوله تعالى :﴿يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ﴾.
قال ابن الخطيب : وجه تعلق هذه السورة بآخر ما قبلها، هو أنه تعالى أشار في آخر التي قبلها إلى كمال علمه بقوله :﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [التغابن : ١٨]، وفي أول هذه السورة أشار إلى كمال علمه بمصالح النٍّساء، والأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بيّن لك الكلي بهذه الجزئيات.
فصل في هذا الخطاب.
وهذا الخطاب فيه أوجه : أحدهما : أنه خطاب لرسول الله ﷺ خوطب بلفظ الجمع تعظيماً له ؛ كقوله :[الطويل] ٤٧٨٠ - فَإنْ شِئْتَ حَرَّمْتُ النِّساءَ سَوَاكُمْ
وإنْ شِئْتَ لَمْ أطْعَمْ نُقَاخاً ولا بَرْدا
الثاني : أنه خطاب له ولأمته، والتقدير : يا أيها النبي وأمته إذا طلقتم فحذف المعطوف لدلالة ما بعده عليه، كقوله :[الطويل] ٤٧٨١ -.............................
إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا...................
١٤٢
أي : ويدها.
كقوله :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١]، أي : والبرد.
الثالث : أنه خطاب لأمته فقط بعد ندائه - عليه الصَّلاة والسلام - وهو من تلوين الخطاب، خاطب أمته بعد أن خاطبه.
الرابع : أنه على إضمار قول، أي : يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء.
قال القرطبي : قيل : إنه خطاب للنبي ﷺ والمراد أمته، وغاير بين اللفظين من حاضر وغائب، وذلك لغة فصيحة، كقوله :﴿إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [يونس : ٢٢]، والتقدير : يا أيها النبي قل لهم : إذا طلقتم النساء، فطلقوهن لعدتهن، وهذا هو قولهم : إن الخطاب له وحده، والمعنى له وللمؤمنين.
وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله :﴿يا أيُّهَا النَّبِيُّ﴾، وإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له قال :﴿يا أيها الرسول﴾.
قال القرطبي : ويدلّ على صحة هذا القول نزول العدة في أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية.
روى أبو داود : أنها طُلِّقت على عهد النبي ﷺ يكن للمطلَّقة عدّة، فأنزل الله - تعالى - العِدّة للطلاق حين طُلقت أسماء، فكانت أولَّ من أثنزل فيها العدة للطلاق.
الخامس : قال الزمخشري :" خصّ النبي ﷺ بالنداء وعمّ بالخطاب ؛ لأن النبي إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم : يا فلان افعلوا كيت وكيت اعتباراً لتقدمه وإظهاراً لترؤسه " في كلامٍ حسنٍ.
وهذا هو معنى القول الثالث المتقدم.
قال القرطبي : وقيل : المراد به نداء النبي ﷺ تعظيماً له، ثم ابتدأ :﴿إذا طلّقتم النساء﴾، كقوله تعالى :﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ﴾ [المائدة : ٩٠] الآية فذكر المؤمنين تكريماً لهم، ثم افتتح فقال :﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ﴾ [المائدة : ٩٠] الآية.
وقوله :﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ أي : إذا أردتم، كقوله :﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [المائدة : ٦] ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ [النحل : ٩٨].
وتقدم تحقيقه.
١٤٣
فصل في طلاق النبي ﷺ روى ابن ماجة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب : أن رسول الله ﷺ طلّق حفصة ثم راجعها.
وعن أنس قال : طلق رسول الله ﷺ حفصة - رضي الله عنها - فأتَتْ أهلها، فأنزل الله تعالى عليه :﴿يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، وقيل له : راجعها فإنها صوَّامة قوَّامة، وهي من أزواجك في الجنة.
ذكره القشيري والماوردي والثعلبي.
زاد القُشيريّ : ونزل في خروجها إلى أهلها قوله تعالى :﴿لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ﴾.
وقال الكلبي : سبب نزول هذه الآية غضبُ رسول الله ﷺ على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة، فطلقها تطليقة، فنزلت الآية.
وقال السُّديُّ : نزلت في عبد الله بن عمر، طلق امرأته حائضاً تطليقة واحدة، فأمره النبي ﷺ بأن يراجعها ثم يسمكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدَّة التي أمر اللَّه أن تطلق لها النساء.
وقد قيل : إن رجالاً فعلوا مثل ما فعل عبد الله بن عمر، منهم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن سعيد بن العاص، وعتبة بن غزوان، فنزلت الآية فيهم.
قال ابن العربي : وهذا كله وإن لم يكن صحيحاً فالقول الأول أمثل وأصح، والأصح فيه أنه بيان لشرع مبتدأ.
فصل في الطلاق روى الثعلبي من حديث ابن عمر قال :" قال رسول الله ﷺ :" إنَّ مِنْ أبْغَضِ الحَلالِ إلى اللَّهِ الطَّلاقُ "
١٤٤