سورة الملك
مكية، وتسمى الواقية، والمنفجية، وتدعى في التوراة المانعة ؛ للأنها تنقي وتنجي من عذاب القبر.
وعن ابن شهاب : أنه كان يسميها المجادلة ؛ لأنها تجادل عن صاحبها في القبر.
وهي ثلاثون آية، وثلاثمائة كلمة، وألف وثلاثمائة حرف.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٢١٢
قوله تعالى :﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾.
" تبارك " تفاعل من البركة وقد تقدم.
وقال الحسنُ : تقدّس.
وقيل : دام، فهو الدائم الذي لا أول لوجوده، ولا آخر لدوامه ﴿الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ أي : ملكُ السموات والأرض في الدنيا والآخرة.
وقال ابن عبَّاس :﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ : يعزّ من يشاء، ويذل من يشاء، ويُحيي ويميت، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع.
قال ابن الخطيب : هذه اللفظة تستعمل لتأكيد كونه - تعالى - لمكاً ومالكاً كما يقال : بيد فلان الأمر، والنهي، والحل والعقد، ولا مدخل للجارحة.
قال الزمخشريُّ :﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ كل موجود، وهو على كل ما لم يوجد قدير.
٢٢٢
قوله :﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
يدل على أن المعدوم شيء ؛ لأن قدرة الله لا تتعلق بالموجود ؛ لأن القدرة مؤثرة، والعدم نف يمحض، فلا يكون أُراً لها، فوجب أن يكون المعدوم شيئاً.
فصل في أنه لا مؤثر إلا قدرة الله احتج أهل السنة بهذه الآية على لا مؤثر إلا قدرة الله، وأبطلوا القول بالطَّبائع كقول الفلاسفة، وأبطلوا القول بالمتولدات كقول المعتزلة، وأبطلوا القول بكون العبد موجوداً لأفعالٍ نفسيةٍ، لقوله :﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
فصل في وحدانية الله دلّت هذه الآية على الوحدانية ؛ لأنا لو قدرنا إلهاً ثانياً، فإما أن يقدر على إيجاد الشيء أولاً، فإن لم يقدر على إيجاد شيء لم يكن إلهاً، وإن قدر كان مقدور ذلك الإله الثاني شيئاً، فيلزم كون ذلك للإله الأول لقوله ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيلزم وقوع مخلوق من خالقين، وهو محال ؛ لأنه إذا كان كل واحد منهما مستقلاً بالإيجاد، ويلزم أن يستغنى كبلّ واحد منهما عن كل واحد منهما، فيكون محتاجاً إليهما وغنياً عنهما وذلك محال.
فصل في الرد على جهم احتج جهم بهذه الآية على أنه تعالى ليس بشيء، فقال : لوكان شيئاً لكان قادراً على نفسه لقوله تعالى :﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ لكن كونه قادراً على نفسه محال، فيمتنع كونه شيئاً.
والجواب : لما دلّ قوله تعالى :﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام : ١٠٩] على أنه - تعالى - شيء - وجب تخصيص هذا العموم، فإذن دلّت هذه الآيةُ على أنَّ العامَّ المخصوص واردٌ في كتاب الله تعالى، ودلت على أن تخصيص العام بدليل العقل جائز، بل واقع.
قوله :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾.
قيل : خَلَق الموت في الدنيا، والحياة في الآخرة، وقدم الموت على الحياة، لأن الموت إلى القهر أقرب، كما قدم البنات على البنين فقال :﴿يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً﴾ [الشورى : ٤٩].
وقيل : قدمه ؛ لأنه أقدم، لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت كالنُّطف والتراب ونحوه.
٢٢٣
وقال قتادة :" كان رسول الله ﷺ يقول :" إنَّ اللَّه تعالى أذلَّ بَنِي آدَمَ بالموتِ، وجَعلَ الدُّنْيَا دَار حياةٍ ثُمَّ دَارَ مَوْتٍ، وجَعَل الآخِرةَ دَارَ جزاءٍ، ثُمَّ دَارَ بَقَاءٍ " وعن أبي الدَّرداء " أن نبيَّ الله ﷺ قال :" لَوْلاَ ثلاثٌ ما طَأطَأ آدَمَ رَأسهُ : الفَقْرُ، والمَرَضُ والمَوتُ " وقيل : إنما قدم الموت على الحياة ؛ لأن من نصب الموت بين عينيه، كان أقوى الدواعي له إلى العمل الصالح.
قال ابن الخطيب : قالوا : الحياة هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر، واختلفوا في الموت.
فقيل : إنه عبارة عن عدم هذه الصفة، وقال أصحابنا : إنه صفة وجودية مضادة للحياة، واحتجوا بقوله تعالى :﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ﴾ والعدم لا يكون مخلوقاً، وهذا هو التحقيق.
وروى الكلبي عن ابن عبَّاسٍ : أن الله - تعالى - خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء، ولا يجد رائحته شيء إلاَّ مات، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء فوق الحمار ودون البَغْل لا تمر بشيء، ولا يجد رائحتها شيء إلا حيي على ما سيأتي.
قال ابن الخطيب : وهذا لا بد وأن يكون مقولاً على سبيل التمثيل، والتصوير، وإلا فالتحقيق ما ذكرنا.
فصل في الموت والحياة حكى ابنُ عباس، والكلبي ومقاتلٌ : أن الموت والحياة يجسمان، فالموت في هبته كبْش لا يمر بشيء، ولا يجد ريحه إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاءَ وهي التي كان جبريل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - يركبونها، خطوتُها أمدُ البصر فوق الحمار ودون البغل، لا تمر بشيء يجد ريحاً إلا يحيى، ولا تطأ على شيء إلا حيي، وهذ التي أخذ السَّامري من أثرها، فألقاها على العِجْل فحيي.
حكاه الثعلبي والقشيري عن ابن عباس، والماوردي معناه عن مقاتل والكلبي.
٢٢٤