سورة الجن
مكية، وهي ثمان وعشرون آية ومائتان وخمس وثمانون كلمة و ثمانمائة وسبعون حرفا.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٠٣
قوله :﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ﴾، هذه قراءةُ العامة، أعني كونها من " أوْحَى " رباعياً.
وقرأ العتكي عن أبي عمرو وابن أبي عبلة وأبو إياس :" وَحَى " ثلاثياً.
وهما لغتان، يقال : وَحَى إليه كذا وأوحى إليه بمعنى واحد، فقلبت الواو همزة،
٤٠٤
ومنه قوله تعالى :﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ [المرسلات : ١١] ؛ وأنشد العجاج :[الرجز]
٤٨٩٢ - وحَى لَهَا القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
وقرأ زيد بن علي والكسائي في رواية وابن أبي عبلة أيضاً :" أُحي " بهمزة مضومة لا واو بعدها، وخرجت على أن الهمزة بدلٌ من الواو المضمومة، نحو " أعد " في " وَعَد " فهذا فرع قراءة " وَحَى " ثلاثياً.
قال الزمخشريُّ : وهو من القلب المطلب جواباً في كل واو مضومة، وقد أطلقه المازنيُّ في المكسورة أيضاً : كـ " إشاح، وإسادة "، و ﴿إعاء أخيه﴾ [يوسف : ٧٦].
قال أبو حيَّان : وليس كا ولكل منها أحكام، وفي بعض ذلك خلاف، وتفصيل مذكور في كتب النحو.
وتقدم الكلام في ذلك مشبعاً في أول الكتاب.
ثم قال بو حيَّان بعدما تقدم عن المازنيِّ : وهذا تكثير وتبجيح.
قوله :﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾، هذا هو القائمُ مقام الفاعل لأنَّه هو المفعول الصريحُ، وعند الكوفيين والأخفش يجوز أن يكون القائمُ مقامه الجار، والمجرور، فيكون هذا باقياً على نصبه، والتقدير : أوحي إليَّ استماع نفرٍ " من الجن " صفة لـ " نَفَر ".
فصل في تفسير الآية قال ابن عباس وغيره : قل يا محمد لأمتَّك أوحِيَ إليَّ على لسان جبريل، أنَّه استمع نفرٌ من الجنِّ، والنَّفرُ : الجماعةُ ما بين الثلاثة إلى العشرة، واختلفوا، هل رآهم النبي ﷺ أم لا ؟.
فظاهرُ القرآن يدل على أنَّه لم يرهم لقوله تعالى :﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾، وقوله :﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾ [الأحقاف : ٢٩].
وفي صحيح مسلم، والترمذي عن ابن عباسٍ قال : انطلق رسول الله ﷺ في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشيطان، وبين خبر السماء، وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطينُ إلى قومهم فقالوا : ما لكم ؟.
فقالوا : حِيْلَ بيننا وبين خبر السماءِ، وأرسلت علينا الشهب قالوا : ما ذلك إلا من شيء حدث، فاضربوا في مشارق الأرض ومغاربها، فمرَّ النفرُ الذين أخذوا نحو " تهامة " وهو وأصحابه بنخلة قاصدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه الفجر فلمَّا سمعوا
٤٠٥
القرآن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً﴾ لإنزل الله على نبيه المصطفى ﷺ ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ الآية.
قال القرطبيُّ : وفي هذا الحديث دليلٌ على أنه ﷺ لم يرَ الجنَّ ولكن حضروه وسمعوا قرآنه.
فإن قيل : الذين رموا بالشُّهب هم الشياطينُ والذين سمعوا القرآن هم الجنُّ، فما وجه الجمع ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أنَّ الجن كانوا مع الشياطين، فلما رمي الشياطين أخذوا الجنَّ الذين كانوا منهم ف يتجسس الخبرِ.
الثاني : أن الذي رموا بالشهبِ كانوا من الجن، إلا أنهم قيل لهم : شياطين كما قيل : شياطين الإنس والجنِّ، فإنَّ الشيطان كل متمرد، وبعيد من طاعة الله تعالى.
قال ابن الخطيب رحمه الله : واختلف في أولئك الجنِّ الذين سمعوا القرآن هم ؟.
فروى عاصم عن ذر قال : قدم رهطُ زوبعة وأصحابه على النبي ﷺ ثم انصرفوا، فذلك قوله تعالى :﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾.
وقي : كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عدداً وعامة جنود إبليس منهم.
وقيل : كانوا سبعة، ثلاثة من أرض " حرَّان " وأربعة من أرض " نَصِيبينَ "، : قريِةٌ من قرى اليمن غير التي بالعراق رواه أرضاً عنهم عاصم عن ذر.
وقيل : إنَّ الجنَّ الذين أتوه بمكةَ جنُّ نصيبين، والذين أتوه بنخلة جنُّ نينَوى.
وقال عكرمةُ : كانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل.
ومذهب ابن مسعود أنَّ النبي ﷺ أمر بالمسير إليهم ليقرأ القرآن عليهم ويدعوهم إلى الإسلام، روى ابن مسعود أن النبي ﷺ قال :" أمِرْتُ أن أتْلُوَ القُرآنَ على الجِنِّ فمَنْ
٤٠٦