سورة الأعلى
مكية في قول الجمهور.
وقال الضحاك : مدنية، وهي تسع عشرة آية، واثنتان وسبعون كلمة ومائتان وأربعة وثمانون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٧١
قوله تعالى :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾.
يستحب للقارئ إذا قرأ :﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ أن يقول عقبيه :" سبحان ربي الأعلى " كذا جاء في الحديث، وقال جماعة من الصحابة والتابعين وقال ابنُ عباسٍ والسديُّ : معنى " سبح اسم ربك الأعلى " أي : عظِّم ربك الأعلى، والاسم صلة، قصد بها تعظيم المسمى.
كقول لبيد :[الطويل] ٥١٧٥ - إلَى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَليْكُمَا
.................................
[وقيل : نزه ربك عن السوء، وعما يقوله الملحدون، وذكره الطبري أن المعنى : نزه اسم ربك الأعلى على أن تسمي به أحداً سواه.
وقيل : المعنى : نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظّم لذكره، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية].
٢٧٢
قال ابن الخطيب : معنى ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ أي : نزه عن كل ما لا يليق به في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، وفي أسمائه، وفي أحكامه.
أمَّا في ذاته، فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض.
وأما في صفاته، فأن تعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة.
وأمَّا في أفعاله، فأن تعتقد أنه سبحانه مالك مطلق لا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور.
وقالت المعتزلة : هو أن تعتقد أن كل ما فعله صواب حسن، وأنه سبحانه لا يفعل القبيح، ولا يرضى به، وأما في أسمائه : فأن لا تذكره - سبحانه وتعالى - إلاَّ بالأسماء التي لا توهم نقصاً بوجه من الوجوه، سواء ورد الإذن فيها أو لم يرد.
وأمّضا في أحكامه : فهو أن تعلم أن ما كلفنا به ليس لنفعٍ يعود إليه، بل لمحض المالكية على قولنا، او لرعاية مصالح العباد على قول المعتزلة.
فصل فيمن استدل بالآية على أن الاسم نفس المسمى قال ابن الخطيب : تُمسَّك بهذه الآية في أن الاسم نفس المسمى.
وأقول : الخوض في هذه المسألة لا يمكن إلا بعد الكشف عن محل النزاع، فنقول : إن كان الاسم عبارة عن اللفظ ؛ والمسمى عبارة عن الذات، فليس الاسم المسمى بالضرورة، فكيف يمكن الاستدلال على ما علم بالضرورة ؟ نعم هنا نكتة، وهي أن الاسم هو اللفظ الدَّال على معنى في نفسه من غير زمن، والاسم كذلك، فيكون اسماً لنفسه، فالاسم هنا نفس المسمى، فعلى هذا يَرِدُ من أطلق ذلك ؛ لأن الحكم بالتعميم خطأ، والمراد : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى هو أن أحداً لا يقول : سبحان الله وسبحان اسم ربنا، فمعنى " سبح اسم ربك " سبح ربك، والربُّ أيضاً اسم، فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه.
وهذا الاستدلال ضعيف، لما بيَّنا أنه يمكن أن يكون وارداً بتسبيح الاسم، ويمكن أن يكون المراد : سبح المسمى، وذكر الاسم صلة فيه، ويكون المراد : سبح باسم ربك، كما قال تعالى :﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة : ٧٤]، ويكون المعنى : سبح بذكر أسمائه.
فصل في تفسير الآية روى أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنه - : صلِّ بأمر ربك الأعلى قال : وهو أن يقول :" سُبحانَ ربيّ الأعْلَى " وروي عن عليّ - رضي الله عنه - وابن عباسٍ، وابن
٢٧٣
عمر وابن الزبيرِ، وأبي موسى، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة، قالوا :" سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى " وامتثالاً لأمره في ابتدائها، فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم، لا أن سبحان ربيّ الأعلى من القرآن، كما قاله بعض أهل الزَّيْغ.
وقي : إنَّها في قراءة أبيّ :" سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى ".
وروى ابن الأنبياري بإسناده إلى عيسى بن عمر عن أبيهِ، قال : قرأ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الصلاة :" سَبِّح اسْمَ رَبِّك الأعْلَى "، ثم قال : سبحان ربي الأعلى، فلما انقضت الصلاة، قيل له : يا أمير المؤمنين، أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى، قال : لا، إنما أمرنا فقلته.
" وعن عقبى بن عامرٍ الجهنيِّ، قال : لما نزلت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ﴾ قال رسول الله ﷺ :" اجْعَلُوهَا في سُجودِكُمْ ".
قال القرطبيُّ :" هذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان ربي الأعلى ".
وقيل : معناه : ارفع صوتك بذكر ربك ؛ قال جرير :[الكامل] ٥٢٧٦ - قَبَحَ الإلهُ وجُوهَ تَغْلبَ كُلَّمَا
سَبحَ الحَجيجُ وكبَّرُوا تَكْبِيرَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٧٢