سورة القدر
مكية في قول أكثر المفسرين ذكره الثعلبي.
وحكي الماوردي عكسه.
وذكر الواقدي : أنها أول سورة نزلت ب "المدينة"، وهي خمس آيات، وثلاثون كلمة، ومائة واثنا عشر حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٢٥
قوله تعالى :﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾، أي : القرآن، أضر للعلم به ﴿فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً للإنزال، والقرآن كله كالسورة الواحدة، وقال تعالى :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة : ١٨٥]، وقال :﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ [الدخان : ٣] يريد : ليلة القدر.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : نزل به جبريل - عليه السلام - جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة، وأملاه جبريل على السَّفرةِ، ثم كان جبريل ينزله على النبي ﷺ منجماً، وكان بين أوله وآخره ثلاث وعشرون سنة.
حكى الماورديُّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزل القرآنُ في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة، جملة واحدة من عند الله، من اللوح
٤٢٦
المحفوظ إلى السَّفرة الكرام الكاتبين في سماء الدنيا، فنجمته السَّفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبي ﷺ عشرين سنة.
قال ابن العربي : وهذا باطل، ليس بين جبريل - عليه السَّلام - وبين الله واسطته، ولا بين جبريل محمد - عليهما السلام - واسطة.
وقيل : المعنى أنزل في شأنها وفضلها، فليست ظرفاً، وإنما كقول عمر - رضي الله عنه - : خشيت أن ينزل فيَّ قرآن، وقول عائشة - رضي الله عنها - : لأنا أحقر في نفسي أن ينزل فيّ قرآن.
وسميت ليلة القدر بذلك ؛ لأن الله يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السَّنة القابلة من أمر الموت، والأجل، والرزق، وغيره، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة : إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل، عليهم السلام.
وعن ابن عباس أيضاً : أن الله يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر، وأما تضييقها بالملائكة قال الخليل : لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ؛ كقوله تعالى :﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق : ٧].
وقيل : سمعت بذلك لعظمها، وشرفها، وقدرها، من قولهم : لفلان قدر : أي شرف ومنزلة.
قاله الزهري : وقيل : سميت بذلك لأن للطاعة فيها قدراً عظيماً، وثواباً جزيلاً.
وقيل : لأنه أنزل فيها كتاباً ذا قدر على رسول ذي قدر على أمه ذاتِ قدر، والقدر : مصدر، والمراد ما يمضيه الله تعالى من الأمور، قال الله تعالى :﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر : ٤٩]، وهو بمعنى القدر، إلا أنه بالتسكين، مصدر، وبالفتح اسم.
قوله :﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ بين فضلها، وعظمها، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر، جميع الدهر، لأن العرب تذكر الألف، لا تريد حقيقتها، وإنام تريد المبالغة في الكثرة، كقوله تعالى :﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [البقرة : ٩٦]، يعني جمع الدهر.
[ووقيل : إن العابد فيما مضى لا يسمى عابداً، حتى يعبد الله ألف شهر، فجعل الله تعالى لهذه الأمة أمة محمد ﷺ عبادة ليلة خير من ألف شهر كانوا يعبدونها].
٤٢٧
وقال أبو بكر الوراق : كان ملك سليمان - عليه الصلاة والسلام - خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر، فصار ملكهما ألف شهر، فجعل الله العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيراً من ملكهما.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : إن النبي ﷺ ذكر رجُلاً من بني إسرائيل حمل السلاح ألف شهرٍ، فعجب المسلمون من ذلك فنزلت هذه الآية، يعني خير من ألف شهر التي لبس السلاح فيها في سبيل الله، ونحوه عن ابن عبَّاس رضي الله عنه.
وقال مالك بن أنس - رضي الله عنه - : أري رسول الله ﷺ أعمار الناس، فاستقصر أعمار أمته، فخاف ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر، وجعلها خيراً من ألف شهر لسائر الأمم.
وقال عكرمة وعروة : ذكر النبي ﷺ أربعة من بني إسرائيل، يقال : عبدوا الله ثمانين سنة، لم يعصوا الله - تعالى - طرفة عين : أيوب، وزكريا، وحزقيل بن العجوز، ويوشع ابن نون، فعجب أصحاب رسول الله صلى اله عليه وسلم من ذلك، فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : يا محمد، عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النَّفر ثمانين سنة، لم يعصوا الله تعالى طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيراً من ذلك، ثم قرأ :﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾، فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله :﴿تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ﴾، أي : تهبط من كل سماء إلى الأرض، ويؤمنون على دعاء النَّاس إلى وقت طلوع الفجر، وقوله تعالى :﴿وَالرُّوحُ فِيهَا﴾.
يجوز أن ترتفع " الرُّوحُ " بالابتداء، والجار بعده الخبر وأن ترتفع بالفاعلية عطفاً على الملائكة، و " فيها " متعلق بـ " تنزل " وأن يكون معطوفاً على الفاعل، و " فِيهَا " ظرف أو حال، والمراد بالروح جبريل عليه السلام.
[وحكى القشيري : أن الروح صنف من الملائكة ؛ جعله حفظه على سائرهم، وأن الملائكة لا يرونهم كما لا نرى نحن الملائكة.
ووقال مقاتل : هم أشرف الملائكة، وأقربهم إلى الله تعالى.
وقيل : هم جند الله - تعالى - غير الملائكة رواه ابن عبَّاس مرفوعاً حكاه الماوردي.
٤٢٨


الصفحة التالية
Icon