سورة النصر
مدنية بالإجماع، وتسمى سورة "التوديع"، وهي ثلاث آيات، وست عشرة كلمة، وتسعة وستون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٣٦
قوله تعالى :﴿إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ : عليك وعلى أمتك، والمقصود : إذا جاء هذان الفعلان من غير نظر إلى متعلقهما، كقوله تعالى :﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ [النجم : ٤٤].
" أل " في " الفتح " عوض من الإضافة : أي : وفتحه عند الكوفيين، والعائد محذوف عند البصريين، أي : والفتح منه للدلالة على ذلك، والعامل في " إذا " :" جاء " وهو قول مكي، وإليه ذهب أبو حيَّان وغيره في مواضع وقد تقدم ذلك.
وإما " فسبِّح "، وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفي، والتقدير : فسبح بحمد ربك إذا جاء، ورده أبو حيَّان بأن ما بعد فار الجواب لا يعمل فيما قبلها، وفيه بحثٌ تقدم بعضه في سورة " الضحى ".
فصل في لكلام على " نصر " النصر : العون، مأخوذ من قولهم : قد نصر الغيث الأرض، إذا أعان على إنباتها.
قال الشاعر :[الطويل] ٥٣٣٧ - إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ الحَرامُ فَوَدِّعي
بِلادَ تَمِيمٍ وانصُرِي أرضَ عَامرِ
ويروى :[الطويل]
٥٣٧
٥٣٣٨ - إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَجَاوِزِي
بِلادَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِر
يقال : نصره على عدوه ينصره نصراً، أي : أعانه، والاسم : النُّصرة، واستنصره على عدوه، أي : سأله أن ينصره عليه، وتناصروا : نصر بعضهم بعضاً.
وقيل : المرادُ بهذا النصر : نصر الرسول - عليه الصلاة والسلام - على قريش قاله الطبري.
[وقيل نصره على من قاتله من الكفار وأن عاقبه النصر كانت له وأما الفتح فهو فتح مكة، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير هو فتح المدائن والقصور وقيل فتح سائر البلاد، وقيل ما فتحه عليه من العلوم، وقيل إذا بمعنى قد جاء نصر الله لأن نزولها بعد الفتح، ويجوز أن يكون معناه إذا يجيئك].
فصل في الفرق بين النصر والفتح قال ابن الخطيب : الفرق بين النصر والفتح، الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف الفتح عليه، ويقال : النصرُ كمالُ الدينِ والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمةِ، كقوله تعالى :﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً﴾ [المائدة : ٣].
والنَّصْر : الظَّفر في الدنيا، والفتح : بالجنة.
فصل في المراد بهذا النصر قال ابن الخطيب : إن رسول الله ﷺ كان مؤيداً منصوراً بالدلائل، والمعجزات، فما المعنى بتخصيص لفظ النصر بفتح " مكة " ؟ والجواب : أن المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع.
فإن قيل : النصر لا يكون إلا من الله تعالى، قال تعالى :﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ [الأنفال : ١٠] فما فائدة التقييد بقوله تعالى :﴿نَصْرُ اللَّهِ﴾ ؟ فالجواب : معناه : لا يليق إلا بالله، كما يقال : هذه صنعة زيد، إذ كان مشهوراً، فالمراد هذا هو الذي سألتموه.
٥٣٨
فإن قيل : لم وصف النصر بالمجيء، وحقيقته : إذا وقع نصر الله، فما الفائدة في ترك الحقيقة، وذكر المجاز ؟ فالجواب : أن الأمور مرتبطةٌ بأوقاتها، وأنه - تعالى - قد ربط بحدوث كلِّ محدث أسباباً معينة، وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم، والتأخر، والتبدل، والتغير، فإذا حضر ذلك الوقت، وجاء ذلك الزمان حضر ذلك الأثر معه، وإليه الإشارة بقوله :﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾ [الحجر : ٢١].
فإن قيل : الذين أعانوا رسول الله ﷺ على فتح مكة هم الصحابة - رضي الله عنهم - ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسول الله ﷺ فما السبب في إضافة النصر إليه ؟ فالجواب : أن النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لا بدَّ لهم من داعٍ وباعث، وهو من الله تعالى.
فإن قيل : فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم يكون فعل العبد متقدماً على فعل الله، وهو خلاف قوله تعالى :﴿إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ﴾ [محمد : ٧] فجعل نصر العبد مقدماً على نصره لنا.
فالجواب : أن لا امتناع في أن يكون فعل العبد سبباً لفعل آخر يصدر على الله - تعالى - فإن أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكها العقول البشرية.
قوله :﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ﴾، " رأيت " يحتمل أن يكون معناه : أبصرت، وأن يكون معناه : علمت، فإن كان معناه " أبصرت " كان " يَدخُلونَ " في محل النصب على الحال، والتقدير : ورأيت الناس يدخلون حال دخولهم في دين الله أفواجاً، وإن كان معناه :" علمت " كان " يدخُلونَ " مفعولاً ثانياً لـ " علمت " والتقدير : علمت الناس داخلين في دين الله أفواجاً.
وفي عبارة الزمخشر : أنه كان بمعنى " أبصرتُ "، أو " عرفت ".
وناقشه أبو حيان : بأن " رأيت " لا يُعرف كونها بمعنى " عرفت " قال :" فيحتاج في ذلك إلى استثبات ".
وقرأ العامة :" يدخلون " مبنياً للفاعل.
وابن كثير في رواية : مبنياً للمفعول و " فِي دِيْنِ " ظرف مجازي، وهو مجاز فصيح بليغ هاهنا.
٥٣٩


الصفحة التالية
Icon