" سورة الفاتحة "
قلت :﴿الحمد﴾ مبتدأ، و ﴿الله﴾ خبر، وأصله النصب، وقرئ به، والأصل : أحمد الله حمداً، وإنما عدل عنه إلى الرفع ليدل على عموم الحمد وثباته، دون تجدده وحدوثه، وفيه تعليم اللفظ مع تعريض الاستغناء. أي : الحمد لله وإن لم تحمدوه. ولو قال (أحمد الله) لما أفاد هذا المعنى، وهو من المصادر التي تُنْصَب بأفعال مضمرة لا تكاد تذكر معها. والتعريف للجنس ؛ أي : للحقيقة من حيث هي، من غير قيد شيوعها، ومعناه : الإشارة إلى ما يَعْرِفه كل أحد أن الحمد ما هو. أو للاستغراق ؛ إذ الحمد في الحقيقة كُلُّه لله ؛ إذ ما من خير إلا وهو مُولِيهِ بواسطة وبغير واسطة. كما قال :﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النّحل : ٥٣]، وقيل : للعهد، والمعهودُ حمدُه تعالى نَفْسَه في أزله.
وقُرِئ ﴿الحمد لله﴾ بإتباع الدال للام، وبالعكس، تنزيلاً لهما من حيث إنهما يستعملان معاً منزلة كلمة واحدة.
٢٤
ومعناه في اللغة : الثناءُ بالجميل على قصد التعظيم والتبجيل، وفي العُرف : فعل يُنبئ عن تعظيم المُنعم بسبب كونه منعماً. والشكر في اللغة : فعل يُشعر بتعظيم المنعم، فهو مرادف للحمد العرفي، وفي العرف : صرفُ العبد جميعَ ما أنعم الله عليه من السمع والبصر إلى ما خُلِقَ لأجله وأعطاه إياه. وانظر شرحنا الكبير للفاتحة في النَّسَبِ التي بيناها نظماً ونثراً.
و ﴿الله﴾ اسم مُرْتَجَلٌ جامد، والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف، قال الواحدي : اسم تفرِّد به الباري - سبحانه - يجري في وصفه مجرى الأسماء الأعلام، لا يُعرف له اشتقاق، وقال الأقْلِيشي : إن هذا الاسم مهما لم يكن مشتقّاً كان دليلاً على عين الذات، دون أن يُنظر فيها إلى صفة من الصفات، وليس باسمٍ مشتق من صفة، كالعالِم والحق والخالق والرازق، فالألف واللام على هذا في (الله) من نفس الكلمة، كالزاي من زيد، وذهب إلى هذا جماعة، واختاره الغزالي، وقال : كل ما قيل في اشتقاقه فهو تعسُّف.