سورة النساء
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣
قلت : من قرأ :﴿والأرحامَ﴾ بالنصب، فعطف على لفظ الجلالة، أي : اتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقرأ حمزة بالخفض على الضمير من ﴿به﴾ ؛ كقول الشاعر :
فَالْيَوْمَ قَدْ بتّ تَهْجُونَا وَتَشْتُمُنَا
فَاذْهَبَ فَمَا بِكَ والأَيَّامِ مِنْ عَجَبِ
وجمهور البصريين يمنعون العطف على الضمير إلا بإعادة الجار، فيقولون : مررت به وبزيد. وقال ابن مالك :
ولَيْس عِنْدي لاَزمَا إذْ قَدْ أَتَى
في النَّظْم والنَّثْر الصَّحِيح مُثْبَتَا
والنثر الصحيح هو ما قرأ به حمزة، وهذا هو التوجيه الصحيح، وأما من جعل الواو للقسم فبعيد.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الناس﴾ أي : جميع الخلق، اتقوا ربكم فيما كلفكم به، ثم بيَّن موجب التقوى فقال :﴿الذي خلقكم من نفس واحدة﴾ يعني آدم، ﴿وخلق منها زوجها﴾ يعني حواء، من ضلع من أضلاعه، ﴿وبث﴾ أي : نشر ﴿منهما رجالاً كثيرًا ونساء﴾ أي : نشر من تلك النفس الواحدة بنين وبنات. قال البيضاوي : واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء، إذْ الحكمة تقتضي أن يكنَّ أكثر، وذكر :﴿كثيرًا﴾ حملاً على الجمع، وترتيب الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تُخشى والنعمة الباهرة التي توجب طاعة مولاها. هـ.
﴿واتقوا الله الذي تساءَلون به﴾ أي : يسأل بعضكم بعضَا فيقول : أسألك بالله العظيم، ﴿والأرحام﴾ أي : واتقوا الأرحام فلا تقطعوها، فمن قطعها قعطه الله، ومن وصلها وصله الله، كما في الحديث. أو تساءلون به وبالأرحام، فيقول بعضكم لبعض : أسألك بالرحم التي بيني وبينك، أو بالقرابة التي بيني وبينك. ثم هددهم على ترك ما أُمروا به فقال :﴿إن الله كان عليكم رقيباً﴾ حافظًا مطلعًا شهيدًا عليكم في كل حال.