سورة الرعد
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٥
٣١٦
﴿بسم الله الرحمن الرحيم * الامار...﴾
قيل : معناه : أنا أعلم، الله أعلم وأرى. وقيل : مختصرة من لفظ المرسل، على عادة رمز المحبين. أو إشارة إلى العوالم الأربعة : فالألف لوحدة الجبروت، واللام لتدفق أنوار المكوت، والميم لحس عالم الملك والراء لسريان أمداد الرحموت.
﴿... تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾. قلت :(تلك) مبتدأ. و(آيات) : خبر، و(الذي أُنزل) : مبتدأ، و(الحق) : خبر، والجملة الثانية كالحجة على الجملة الأولى.
يقول الحق جل جلاله : أيها المرسل المعظم، والحبيب المفخم، ﴿تلكَ﴾ الآيات التي تتلوها على الناس هي ﴿آياتُ الكتاب﴾ المنزل من حضرة قدسنا. ﴿و﴾ الكتاب أي : القرآن ﴿الذي أُنزل إليك من ربك﴾ هو ﴿الحق﴾ الذي لا ريب فيه، ﴿ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يؤمنون﴾ ؛ لإخلالهم بالنظر والتأمل فيه.
الإشارة : لَوْ صَفَت القلوب من الأكدار، ومُلئت بالمعارف والأنوار ؛ لفهمتْ أسرار الكتاب، وجواهر معانيه، ولأدركت معرفة الحق من كلامه ؛ لأن الكلام صفة المتكلم، ولكن أكثر الناس اشتغلوا بمتابعة الهوى، فصُرفوا عن فهم الكلام، وفاتهم معرفة المتكلم.
٣١٨
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٦
٣١٩
قلت :(رواسي) : جمع راسية، من رسى الشيء : ثبت، و(جنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) مَنْ خَفَضَ عطف على (أعناب)، ومن رفع عطف على (جنات)، و(صنوان) نعت تابع، و(غير) : عطف عليه.
يقول الحق جل جلاله :﴿وهو الذي مدَّ الأرض﴾ ؛ بسطها طولاً وعرضاً ؛ لتثبت عليها الأقدام وتتقلب عليها الحيوان والأنام، ﴿وجعلَ فيها رواسي﴾ : جبالاً ثوابت لتستقر وتثبت، فلا تميد كالسفينة، ﴿و﴾ جعل فيها ﴿أنهاراً﴾ مطرده دائمة الجري، من غير نفاد ولا فتور. ضمها إلى الجبال ؛ لأنها أسبابٌ لتولدها في العادة. ﴿ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين﴾ أي : وجعل فيها صنفين اثنين من كل الثمرات ؛ فكل ثمرة فيها صنفان ؛ أحمر وأسود، أو حلو وحامض، وقد خلق من كثير من الثمرات أصنافاً كثيرة ؟ فالجواب : أن ذلك زيادة في الاعتبار، وأعظم في الدلالة على القدرة بذكر الاثنين ؛ لأن دلالة غيرهما من باب أولى. هـ.
﴿يُغشى الليلَ النهارَ﴾، أي : يجعل الليلَ غشاءً على النهار ولباساً له، فيصير الجو مظلماً بعدما كان مضيئاً. ﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ﴾ ؛ دلائل وجوده وباهر قدرته ﴿لقوم يتفكرون﴾ فيها ؛ فإن وجودها وتخصيصها في هذا الشكل العجيب، دليل على وجود صانع حكيم، دبر أمرها، وهيأ أسبابها.