سورة الإسراء
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٢
قلت :﴿سبحان﴾ : مصدر غير متصرف، منصوب بفعل واجب الحذف، أي أسبحُ سبحان. وهو بمعنى التسبيح، أي : التنزيه، وقد يستعمل عَلَمًا له، فيقطع عن الإضافة ويمنع الصرف، كقول الشاعر :
قَدْ أَقُولُ لَمَّا جَاءَني فَخْرُهُ
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ
و ﴿ليلاً﴾ : منصوب على الظرفية لأسرى. وفائدة ذكره، مع أن السرى هو السير بالليل، ليفيد التقليل، ولذلك نكّره، كأنه قال : أسرى بعبده مسيرة أربعين ليلة في بعض الليل، وذلك ابلغ في المعجزة. ويقال : أسرى وسرى، رباعيًا وثلاثيًا.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ وهو : نبينا محمد ﷺ، أي : تنزيهًا له عن الأماكن والحدود والجهات، إذ هو أقرب من كل شيء إلى كل شيء. وإنما وقع الإسراء برسوله - عليه الصلاة والسلام - ليقتبس أهلُ العالم العلوي، كما اقتبس منه أهل العالم السفلي، فأسرى به ﴿ليلاً من المسجد الحرام﴾ بعينه ؛ لِمَا رُوي أنه - عليه
٧٣
الصلاة والسلام - قال :" بَينَما أَنَا في المسْجِدِ الحَرَامِ في الحِجْر، عِنْدَ البَيْتِ، بَيْنَ النَّائِم واليقْظَانِ، إذْ أَتَانِي جِبْرِيلُ بالبُراقِ ". أو : من الحرم ؛ لِمَا رُوي أنه كان نائمًا في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء، فأُسْرِيَ به، وسماه مسجدًا ؛ لأن الحرم كله مسجد. قاله البيضاوي. قلت : والظاهر أنه وقع مرتين : مرة بجسده من البيت، ومرة بروحه من بيت أم هانئ. والله تعالى أعلم بما كان.


الصفحة التالية
Icon