سورة الكهف
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٦
قلت :﴿قَيّمًا﴾ : حال من الكتاب، والعامل فيه :" أنزل "، ومنعه الزمخشري ؛ للفصل بين الحال وذي الحال، واختار أن العامل فيه مضمر، تقديره : جعله قيّمًا، و " لينذر " : يتعلق بأنزل، أو بقيّمًا. والفاعل : ضمير الكتاب، أو النبي ﷺ، و " بأسًا " : مفعول ثان، وحذف الأول، أي : لينذر الناس بأسًا، كما حذف الثاني من قوله :﴿ويُنذر الذين قالوا...﴾ الخ ؛ لدلالة هذا عليه، و ﴿مِن عِلْم﴾ : مبتدأ مجرور بحرف زائد، أو فاعل بالمجرور ؛ لاعتماده على النفي، و " كلمة " : تمييز.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿الحمدُ لله﴾ أي : الثناء الجميل حاصل لله، والمراد : الإعلام بذلك ؛ للإيمان به، أو الثناء على نفسه، أو هما معًا. ثم ذكر وجه استحقاقه له، فقال :﴿الذي أَنزل على عبده الكتابَ﴾ أي : الكتاب الكامل المعروف بذلك من بين سائر الكتب، الحقيق باختصاص اسم الكتاب، وهو جميع القرآن. رتَّب استحقاق الحمد على إنزاله ؛ تنبيهًا على أنه أعظم نعمائه، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
١٣٧
وفي التعبير عن الرسول ﷺ بالعبد، مضافًا إلى ضمير الجلالة تنبيه على بلوغه ﷺ إلى معاريج العبادة وكمال العبودية أقصى غاية الكمال، حيث كان فانيًا عن حظوظه، قائمًا بحقوقه، خالصًا في عبوديته لربه.
﴿ولم يجعلْ له﴾ أي : للكتاب ﴿عِوَجًا﴾ ؛ شيئًا من العوج، باختلافٍ في اللفظ، وتناقض في المعنى، وانحراف في الدعوة. قال القشيري : صانه عن التناقض والتعارض، فهو كتابٌ عزيزٌ من ربِّ عزيز، ينزل على عَبْدٍ عزيز.
قَيّمًا : مستقيمًا متناهيًا في الاستقامة، معتدلاً لا إفراط فيه ولا تفريط، فهو تأكيد لما دل عليه نفي العوج، مع إفادته كون ذلك من صفاته الذاتية، حسبما تُنبئ عنه الصيغة. أو قَيّمًا بالمصالح الدينية والدنيوية للعباد، على ما ينبئ عنه ما بعده من الإنذار والتبشير، فيكون وصفًا له بالتكميل، بعد وصفه بالكمال، أو : قَيّمًا على ما قبله من الكتب السماوية، وشاهدًا بصحتها ومهيمنًا عليها. ﴿ليُنذر﴾ : ليُخوّف اللهُ تعالى به، أو الكتاب، والأول أوْلى ؛ لتناسب المعطوفين بعده، أي : أنزل الكتاب لينذر بما فيه الذين كفروا ﴿بأسًا﴾ : عذابًا ﴿شديداً من لدنه﴾ أي : صادرًا من عنده، نازلاً من قِبَله، في مقابلة كفرهم وتكذيبهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٧