سورة المؤمنون
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣
يقول الحق جل جلاله :﴿قد أفلح المؤمنون﴾ أي : فازوا بكل مطلوب، ونالوا كل مرغوب، فالفلاح : الفوز بالمرام والنجاة من المكاره والآلام، وقيل : البقاء في الخير على الأبد، وقد تقتضي ثبوت أمر متوقع، فهي هنا لإفادة ثبوت ما كان متوقع الثبوت من قبل، وكان المؤمنون يتوقعون مثل هذه البشارة ؛ وهي الإخبار بثبوت الفلاح لهم، فخُوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه. والإيمان في اللغة : التصديق بالقلب، والمؤمن : المصدِّق لِما جاء به الشرع، مع الإذعان بالقلب، وإلا.. فكم من كافر صدّق بالحق ولم يذعن، تكبُّراً وعناداً، فكل من نطق بالشهادتين، مواطئاً لسانُه قلبَه فهو مؤمن شرعاً، قال عليه الصلاة والسلام :
" لَمَّا خَلَقَ الله الجَنَّةَ، قَالَ لَهَا : تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمنُون - ثلاثاً - أنا حرامٌ على كلِّ بخيل مُرائي " ؛ لأنه بالرياء أبطل العبادات الدينية، وليس له أعمال صافية.
ثم وصف أهل الإيمان بست صفات، فقال :﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ : خاضعون بالقلب ساكنون بالجوارح، وقيل : الخشوع في الصلاة : جمع الهمة، والإعراض عما سواها، وعلامته : ألا يجاوز بصرُه مصلاه، وألاّ يلتفت ولا يعبث. وعن أبي الدرداء :(هو إخلاص المقال، وإعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام). وأضيفت الصلاة إلى المصلين ؛ لانتفاع المصلِّي بها وحده، وهي عُدَّته وذخيرته، وأما المُصلَّى له فَغَني عنها.