سورة الفرقان
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٦
يقول الحق جل جلاله :﴿تبارك﴾ أي : تكاثر خيره وتزايد، أو : دام واتصل. وهي كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله، والمستعمل منها الماضي فقط، والتفاعل فيها للمبالغة. ومعناها راجع إلى ما يفيض سبحانه على مخلوقاته من فنون الخيرات، التي من جملتها : تنزيل القرآن، المنطوي على جميع الخيرات الدينية والدنيوية، أي : تعاظم ﴿الذي نَزَّلَ الفرقانَ﴾ أي : القرآن، مصدر فرق بين اثنين، إذا فصل بينهما. سمي به القرآن ؛ لفصله بين الحق والباطل، والحلال والحرام، أو : لأنه لم ينزل جملة، ولكن مفروقاً مفصولاً بين أجزائه شيئاً فشيئاً، ألا ترى إلى قوله :﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىا مُكْثٍ﴾ [الإسراء : ١٠٦].
أنزله ﴿على عبده﴾ محمد ﷺ، وإيراده - عليه الصلاة والسلام - بذلك العنوان ؛ لتشريفه، والإيذان بكونه في أقصى مراتب العبودية، والتنبيه على أن الرسل لا يكون إلا عبداً للمُرسل ؛ رداً على النصارى. أنزله ﴿ليكون﴾ العبد المنزل عليه، أو الفرقان ﴿للعالمين﴾ من الثقلين، زاد بعضهم : والملائكة، أرسل إليهم ليتأدبوا بأدبه، حيث لم يقف مع مقام ولا حال، ويقتبسوا من أنواره، وهو حكمة الإسرار، وقيل : حتى إلى الحيوانات والجمادات، أُمرت بطاعته فيما يأمرها به، وبتعظيمه - عليه الصلاة والسلام - وهذا كله داخل في العالمين ؛ لأن ما سوى الله كله عالم ؛ كما تقدم في الفاتحة. وعموم
١٠٧
الرسالة من خصائصه - عليه الصلاة والسلام -. ﴿نذيراً﴾ أي : مخوِّفاً، وعدم التعرض للتبشير ؛ لأن الكلام مسوق لأحوال الكفرة، ولا بشارة لهم.