سورة لقمان
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦٠
قلت :﴿هُدىً ورحمةً﴾ : حالان من الآيات، والعامل : معنى الإشارة. ورفعمها حمزة على الخبر لتلك بعد حبر، أو : خبر عن محذوف، أي : هو، أو : هي هُدى. والموصول : نعت للمحسنين ؛ تفسير لإحسانهم، و(هم) : مبتدأ، و(يُوقنون) : خبر. وتكريره الضمير ؛ للتوكيد، ولِمَا حيل بينه وبين خبره.
يقول الحق جل جلاله :﴿الاـم﴾ ؛ أيها المصطفى المقرب، ﴿تلك﴾ الآيات التي تتلوها هي ﴿آياتُ الكتابِ الحكيم﴾ أي : ذي الحكمة البالغة، أو : الذي أُحكمت آياته وأُتقنت، أو : المحكَم الذي لا ينسخه كتاب. أو : المصون من التغيير والتبديل. حال كونه ﴿هُدىً ورحمةً﴾ ؛ هادياً لظواهرهم بتبيين الشرائع، ورحمة لقلوبهم بتبين حقائق الإيمان، ولأرواحهم بإظهار حقائق الإحسان. وقد تقدم هذا البيان في قوله :﴿إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ﴾ [المائدة : ٩٣] الآية. ولذلك خصه بقوله :﴿للمحسنين﴾، فإنما يكون هدى ورحمة لأهل الإحسان ؛ لأنهم هم الذين يغوصون على أسراره ومعانيه. وهم ﴿الذين يقيمون الصلاة﴾ ؛ يتقنونها، ﴿ويؤتون الزكاة﴾ على الوجه المشروع، ويدفعونها لمن
٣٦١
يستحقها، لا جزاءً ولا شكوراً، ولا لجلب نفع أو دفع شر، ﴿وهم بالآخرة هم يوقنون﴾، كأنها نُصْبَ أعينهم. وخص بالذكر هذه الثلاثة ؛ لفضلها ؛ فإن الصلاة عماد الدين، والزكاة قرينتها ؛ لأن الأولى عبادة بدنية، والثانية مالية، والآخرة هي دار الجزاء، فلولا وقوعها لكان وجود هذا الخلق عبثاً، وتعالى الله عنه علواً كبيراً.
ثم مدح المتصف بتلك الخصال فقال :﴿أولئك على هُدىً من ربهم﴾ أي : راكبون على متن الهداية، متمكنون منها، ﴿وأولئك هم المفلحون﴾، الفائزون بكل مطلوب.
الإشارة : قال القشيري :﴿الاـم﴾، الألف إشارة إلى آلائه، واللام إلى لطفه، والميم إل مجده وسنائه، فبآلائه دفع الجَحْدَ عن قلوب أوليائه، وبلطف عطائه أثبت المحبةَ في أسرار أصفيائه، وبمجده وسنائه هو مستغنٍ عن جميع خَلْقِه بوصف كبريائه. هـ.