سورة محمد
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٠٢
قلت :﴿الذين﴾ : مبتدأ، و ﴿أضل﴾ : خبر، و ﴿من ربهم﴾ : من ضمير الحق، وجملة ﴿وهو...﴾ الخ : اعتراضية بين المبتدأ والخبر، و ﴿ذلك﴾ : مبتدأ، و ﴿بأن﴾ : خبر.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿الذين كفروا وصَدوا عن سبيل الله﴾ أي : أعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام، أو صدُّوا غيرهم عنه. قال الجوهري : صدّ عنه، يَصِدّ، صُدُوداً : أعْرَض، وصدَّهُ عن الأمر صَدّاً، مَنَعَه، وصَرَفه عنه. هـ. وهم المطعمون يوم بدر، أو : أهل الكتاب، كانوا يصدون مَن أراد الدخول في الإسلام، منهم ومن غيرهم، أو عام في كل مَن كفر وصدّ، فهؤلاء ﴿أضلَّ أعمالهم﴾ أي : أحبطها وأبطلها، أي : جعلها ضالة ضائعة، ليس لها مَن يتقبلها ويُثيب عليها، كضالة الإبل. وليس المعنى أنه أبطلها بعد أن لم تكن كذلك، بل بمعنى : أنه حكم ببطلانها وضياعها، فإنَّ ما كانوا يعملونه من أعمال البر، كصِلة الأرحام، وقِرى الضيف، وفك الأسارى، وغيرها من المكارم، ليس لها أثر من أصلها ؛ لعدم الإيمان، أو : أبطل ما عملوا من الكيد برسول الله ﷺ، والصد عن سبيله، بنصر رسوله، وإظهار دينه على الدين كله، وهو الأوفق بقوله :﴿فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد : ٨].
﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ قيل : هم ناس من قريش، وقيل : من الأنصار،
١٠٦
وقيل : مَن آمن مِن أهل الكتاب، والمختار أنه عام، ﴿وآمَنوا بما نُزِّل على محمد﴾ ﷺ، وهو القرآن، وخُصّ بالذكر من بين ما يجب الإيمان به ؛ تنويهاً بشأنه، وتنبيهاً على سُمو مكانه من بين ما يجب الإيمان به، وأنه الأصل في الكل ؛ ولذلك أكّده بقوله :﴿وهو الحق من ربهم﴾ أي : القرآن : لكونه ناسخاً لغيره من الكتب، وقيل : دين محمد ﷺ ؛ إذ لا يرد عليه النسخ، وهو ناسخ لسائر الأديان، ﴿كفَّر عنهم سيئاتهم﴾ أي : ستر بالإيمان والعمل الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي ؛ لرجوعهم عنها بالتوبة ﴿وأصلح بالهم﴾ أي : حالهم وشانهم، بالتوفيق لأمور الدين، وبالتسليط على الدنيا، بما أعطاهم الله من النصرة والعزة والتمكين في البلاد.


الصفحة التالية
Icon