سورة الحجرات
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٤
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ تصدير الخطاب بالنداء، تنبيهُ المخاطبين على أنَّ في حيّزه أمر خطير يستدعي اعتنائهم بشأنه، وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم، والإيذان بأنه داع إلى المحافظة عليه ووازع عن الإخلال به، ﴿لا تُقدِّموا﴾ أي : لا تفعلوا التقديم، على ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل من غير اعتبار تعلقه بأمرٍ من الأمور، على طريقة قولهم : فلان يعطي ويمنع، أو : لا تُقدّموا أموراً من الأمور، على حذف المفعول، للعموم، أو : يكون التقديم بمعنى التقدُّم، من " قدّم " اللازم، ومنه : مقدمة الجيش، للجماعة المتقدَّمة، ويؤيده قراءة مَن قرأ :(لا تَقدَّموا) بحذف أحدى التاءين، أي : لا تتقدموا ﴿بين يدي اللّهِ ورسولهِ﴾ : لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكما به، وحقيقة قولك : جلست بين يدي فلان : أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريباً منه، فسُميت الجهتان يدين ؛ لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما، توسعاً، كما يُسمّى الشيء باسم غيره إذا جاوره.
وفي هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يُسمى تمثيلاً، وفيه فائدة جليلة، وهي : تصوير الهُجْنَةِ والشناعة فيما نُهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة. ويجوز أن يجري مجرى قولك : سرَّني زيد وحُسْنُ ماله، فكذلك هنا المعنى : لا تُقدِّموا بين يدي رسول الله ﷺ : وفائدة هذا الأسلوب : الدلالة على قوة الاختصاص، ولمَّا كان رسول الله ﷺ من الله بالمكان الذي لا يخفى ؛ سلك به هذا
١٥٥


الصفحة التالية
Icon