سورة الجمعة
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يُسَبِّحُ لله ما في السموات وما في الأرض﴾، وهذا التسبيح إمّا أن يكون : تسبيح خِلقة، يعني : أنك إذا نظرت إلى شيء دلتك خِلقتُه على وحدانيته تعالى، وتنزيهِه عما لا يليق به، وإمّا أن يكون تسبيح معرفة ؛ بأن يخلق في كل شيء ما يعرفه به تعالى وينزّهه، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِحُ بحَمدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُون تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء : ٤٤]، أو : تسبيح ضرورة، بأن يُجري اللهُ التسبيحَ على كل جوهر، من غير معرفةٍ له بذلك. قاله النسفي.
﴿الملكِ القُدُّسِ﴾ أي : المنزَّه عما لا يليق به من الكمالات. ولا يُقال : المنزّه عن النقائص ؛ إذ لا يصح اتصافه بها حتى تُنفى عنه، وربما يكون نقصاً في حقه، كما يُقال : الملِك ليس بجزار. ﴿العزيزِ الحكيمِ﴾، وقرئت هذه الصفات الأربع بالرفع على المدح.
﴿هو الذي بَعَثَ في الأميين رسولاً منهم﴾ أي : بعث رجلاً أُميًّا في قوم أميين، وقيل :﴿منهم﴾ : من أنفسهم، يعلمون نَسَبه وأحواله وصِدْقَه. والأُمي : منسوب إلى أميّة العرب ؛ لأنهم لايقرؤون ولا يكتبون من بين الأمم. قيل. بُدئت الكتابة في العرب بالطائف، وهم أخذوها من أهل الحيرة، وأهل الحيرة من أهل الأنبار. ﴿يتلو عليهم آياته﴾ ؛
٤٠
القرآن ﴿ويُزكِّيهم﴾ ؛ يطهرهم من الشرك وخبائث الجاهلية، ﴿ويُعَلّمهم الكتابَ﴾ ؛ القرآن ﴿والحكمةَ﴾ ؛ السُنَّة، أو الفقه في الدين، أو إتقان العلم والعمل، ﴿وإِن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين﴾ ؛ كفر وجهالة. و " إن " مخففة، أي : وإن الشأن كانوا في ضلال فظيع، وهو بيان لشدة افتقارهم لمَن يرشدهم، وإزاحة لِمَا عسى أن يتوهم مِن تعلُّمه ﷺ مِن الغير ؛ إذ كلهم كانوا مغروقين في الجهل والضلال، ليس فيهم مَن يعلم شيئاً.