سورة الحاقة
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٩
قلت :﴿الحاقة﴾ : مبتدأ، وجملة الاستفهام خبر، والأصل : الحاقة ما هي ؟ فوضع الظاهر موضع المضمر ؛ تفخيماً لشأنها، وتهويلاً لأمرها، و " أدْرَى " يتعدى إلى مفعولين، علق عن الثاني بالاستفهام.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿الحاقةُ﴾ أي : الساعة الواجبة الوقوع، الثابتة المجيء، التي هي آتيةٌ لا ريب فيها، من : حقّ يحِقُّ : وجب، أو : التي يحق فيها الحقوق من الثواب والعقاب، أو : التي تحق فيها الحقائق وتُعرف، من : حقه : إذا عرف حقيقته، جعل الفعل لها مجازاً، وهو لِما فيها من الأمور، ﴿ما الحاقةُ﴾ أي : ما هي الحاقة، فهي من الأمور التي يُستفهم عنها ؛ لغرابتها وهول مطلعها، وأكد كذلك بقوله :﴿وما أدراك﴾ وأيّ شيءٍ أعلمك ﴿ما﴾ هي ﴿الحاقة﴾، يعني : أنك لا علم لك بكنهها ؛ لخروجها عن دائرة علوم المخلوقات، على معنى : أن عظم شأنها، ومدى هولها وشدتها، بحيث لا يكاد يبلغه درايةُ أحد ولا وهمُه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك.
ثم ذكر وبال مَن كذّب بها، فقال :﴿كذبت ثمودُ وعادٌ بالقارعة﴾ أي : بالحاقة. فوضعت القارعة موضعها لأنها من أسماء القيامة، كالحاقة. وسميت بذلك ؛ لأنها تقرع الناسَ بفنون الأفزاع والأهوال، وتقرع السماءَ بالانشقاق والانفطار، والأرض والجبال
١٢٠