سورة المدثر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٩
يقول الحق جلّ جلاله :﴿يا أيها المدَّثِّر﴾ أي : المتدثر، أُدغمت التاء في الدال، أي : المتلفّف في ثيابه، من الدِّثار، وهو كلُّ ما كان من الثياب فوق الشعار، والشعار : الثوب الذي يلي الجسد. قيل : هي أول سورة نزلت، والصحيح : أن أول ما نزل :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِكَ...﴾ [العلق : ١] إلى قوله ﴿... عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق : ٥] ثم فتر الوحي نحو سنتين، فحزن رسولُ الله ﷺ، حتى جعل يأتي شواهق الجبال، فيريد أن يتردَّى منها، فأتاه جبريلُ عليه السلام، وقال : إنك نبي الله، فرجع إلى خديجة، فقال : دثِّروني وصُبوا عليَّ ماءً بارداً، فنزل :﴿يا أيها المُدَّثر﴾، وقيل : سمع من قريش ما كرهه، فاغتم، فتغطّى بثوبه متفكراً، كما يفعل المغتم، فأمر ألاّ يدع إنذارهم وإن آذوه، فقال :﴿قُمْ﴾ أي : من مضجعك، أو قيام عزم وتصميم، ﴿فأنذِرْ﴾ أي : فَحذِّر قومك من عذاب الله إن لم يؤمنوا، أو فافعل الإنذار من غير تخصيص، كما يُنبىء عنه قوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ [سبأ : ٢٨].
﴿وربَّك فَكَبِّرْ﴾ أي : خُص ربك بالتكبير، وهو التعظيم قولاً واعتقاداً، فلا يَكْبُرُ في عينك إلاّ الله، وقل عندما يعروك من غيره : الله أكبر. رُوي أنه لمّا نزل، قال رسولُ الله ﷺ :" الله أكبر " فكبَّرت خديجة وفرحت، وأيقنت أنه الوحي. وقد يُحمل على تكبير الصلاة، والفاء بمعنى الشرط، كأنه قيل : أيّ شيء حدث فلا تدع تكبيره.
١٧٢


الصفحة التالية
Icon