سورة الفجر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٦
يقول الحق جلّ جلاله :﴿والفجر﴾، إمّا وقته، أقسم به لشرفه، كما أقسم بالصُبح، لِمَا في ذلك من الاقتدار، أو : صلاته ؛ لكونها مشهودة، ﴿وليالٍ عشر﴾ ؛ عشر ذي الحجة، أو العشر الأُول من المحرم، أو الأواخر من رمضان، ونُكِّرت للتفخيم، ﴿والشفع والوتر﴾ أي : شفع كل الأشياء ووترها، أو : شفع هذه الليالي ووترها، أو : شفع الصلوات ووترها، أو : يوم النحر، لأنه اليوم العاشر، ويوم عرفة لأنه التاسع، أو الخلق والخالق، او صلاة النافلة والوتر بعدها، أو الأعداد ؛ لأنَّ منها شفعاً ومنها وتراً، والمختار العموم، كأنه تعالى أقسم بكل شيء ؛ إذ لا يخلو شيء من أن يكون شفعاً وهو الزوج، أو وتراً وهو الفرد، والوتر بالفتح والكسر لغتان.
ولمَّا أقسم بالليالي المخصوصة، أقسم بالليالي على العموم، فقال :﴿والليلِ إِذا يَسْرِ﴾ إذا ذهب، أو : يسري فيه السائر، وقيل : أُريد به ليلة القدر، وحُذفت الياء في الوصل ؛ اكتفاءً بكسرتها، وسُئل الأخفش عن سقوطها، فقال للسائل : لا أجيبك حتى تخدمني سنة، فسأله بعد سنة، فقال : الليل لا يسري، وإنّما يُسرى فيه، فلمّا عدل عن معناه عدل عن لفظه موافقةً. هـ. ويرد عليه : أنها حُذفت في كلمات كثيرة، ليس فيها هذه العلة.
﴿هل في ذلك﴾ أي : فيما أقسمت به من هذه الأشياء ﴿قَسَمٌ﴾ أي : مٌقسم به، أو
٢٩٧
إقسام، والمعنى : مَن كان ذا لُبٍّ عَلِمَ أنَّ ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه عجائب ودلائل على التوحيد والربوبية، فهو حقيق بان يُقسم به، وهذا تفخيم لشأن المقسَم بها، وكونها أموراً جليلة حقيقة بالإقسام بها لذوي العقول، وهذا كقوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)﴾ [الواقعة : ٧٦] وتذكير الإشارة لتأويلها بما ذكر، وما فيها من معنى البُعد للإيذان ببُعد مرتبة المشار إليه، وبُعد منزلته في الشرف والفضل، ﴿لذي حِجْرٍ﴾ ؛ لذي عقل ؟ سُمِّي به لأنه يحجر عن التهافت فيما لا ينبغي، كما سُمِّي عقلاْ ونُهْيَةً لأنه يعقل صاحبه وينهاه عن الرذائل ؛ والمعنى : هل يحقُّ عند ذوي العقول أن تُعَظَّم هذه الأشياء بالإقسام بها ؟ أو : هل في إقسامي بها إقسام لذي حجر، أي : هل هو قسم عظيم يؤكّد بمثله المقسَم عليه ؟ أو : هل في القسم بهذه الأشياء قسم مُقنع لذي لُب وعقل ؟ والمقسَم عليه محذوف، أي : لتهلكنّ يا معشر الكفار ثم لتبنؤن بالحساب، يدلّ عليه قوله تعالى :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٩٧