سورة البلد
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠٣
يقول الحق جلّ جلاله :﴿لا أُقسم بهذا البلد﴾ ؛ أَقسم تعالى بالبلد الحرام، وما عطف عليه على أنّ الإنسان خُلق مغموراً بمقاساة الشدائد ومعاناة المشاقّ. واعترض بين القسم وجوابه بقوله :﴿وأنت حِلّ بهذا البلد﴾، أي : وأنت حالّ ساكن به، فهو حقيق بأن يُقسم به لحلولك به، أو : وأنت حِل، أي : تُستحل حرمتُكَ، ويُؤذيك الكفرةُ مع أنَّ مكة لا يَحل فيها قتل صيد ولا بشر، ولا قطع شجر، وعلى هذا قيل :" لا أٌقسم " نفي، أي : لا أقسم بهذا وأنت تلحقك فيه إذاية، وهذا ضعيف، أو : وأنت حلال يجوز لك في هذا البلد ما شئت مِن قتل كافر وغير ذلك مما لا يجوز لغيرك، وهذا هو الأظهر ؛ لقوله ﷺ :" إنَّ هذا البلد حرام، حرّمه اللهُ يومَ خلق السموات والأرض، لم يَحِلَّ لأحدٍ قبلي، ولا يحل لأحد بعدي، وإنما أُحل لي ساعة من نهارٍ "، يعني : فتح مكة، وفيه أَمَرَ ﷺ بقتل ابن خَطَل، وهو متعلّق بأستار الكعبة.
فإن قلتَ : السورة مكية، وفتح مكة كان سنَة ثمان من الهجرة ؟ قلتُ : هو وعد بالفتح وبشارة. انظر ابن جزي. وكثير من الآيات نزلت بمكة ولم يتحقق مصداقها إلاّ بعد الهجرة، كقوله تعالى :﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت : ٦، ٧] وقوله تعالى :﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيا إِسْرَائِيلَ عَلَىا مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف : ١٠] وغير ذلك.
٣٠٤


الصفحة التالية
Icon