سورة الماعون
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أرأيت الذي يُكذِّبُ بالدين﴾ استفهام أُريد به تشويق السامع إلى معرفة مَن سبق له الكلام والتعجب منه، والخطاب للرسول ﷺ أو لكل سامع. والرؤية بمعنى المعرفة، والفاء في قوله :﴿فذلك الذي يَدُعْ اليتيمَ﴾ : جواب شرط محذوف، والمعنى : هل عرفتَ هذا الذي يُكذِّب بالجزاء أو بالإسلام، فإنْ أردت أن تعرفه فهو الذي يَدُعُّ، أي : يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً، ويزجره زجراً قبيحاً، قيل : هو أبو جهل، كان وصيًّا ليتيم، فأتاه عُرياناً يسأله مِن مال نفسه فدفعه دفعاً شديداً، وقيل : هو الوليد بن المغيرة، وقيل : العاص بن وائل. وقيل : أبو سفيان، نحر جزوراً فسأله يتيمٌ لحماً فقرعه بعصاه، وقيل : على عمومه. وقُرىء :" يَدَع " أي : يتركه ويجفوه. ﴿ولا يَحُضُّ﴾ أهلَه وغيرهم من الموسرين ﴿على طعام المسكين﴾ فأَولى هو لا يُطعمه، جعل علامة التكذيب بالجزاء : منع المعروف، والإقدام على أذى الضعيف ؛ إذ لو آمن بالجزاء، وأيقن بالوعيد، لخشي عقاب الله وغضبه.
﴿فويل للمُصَلِّين الذي هم عن صلاتهم ساهون﴾ غير مبالين بها، ﴿الذين هم يُراؤون﴾ الناس بأعمالهم، ليُمدحوا عليها، ﴿ويمنعونَ الماعونَ﴾ أي : الزكاة. نزلت في المنافقين ؛ لأنهم كانوا يسهون عن فعل الصلاة، أي : لا يُبالون بها، لأنهم لا يعتقدون وجوبها.
قال الكواشي عن بعضهم : ليس المراد السهو الواقع في الصلاة، الذي لا يكاد يخلو منه مسلم، فإنَّ رسولَ الله ﷺ كان يسهو، ويُعضد هذا ما رُوي عن أنس أنه قال : الحمد لله الذي لم يقل " في صلاتهم " لأنهم لمّا قال :" عن صلاتهم " كان المعنى : أنهم
٣٥٩


الصفحة التالية
Icon