سورة الإخلاص
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٩
قلت :﴿هو﴾ ضمير الشأن مبتدأ، والجملة بعده خبر، ولا تحتاج إلى رابط، لأنها نفس المبتدأ، فإنها عين الشأن الذي عبّر عنه بالضمير، ورفعه من غير عائد يعود عليه ؛ للإيذان بأنه الشُهرة والنباهة بحيث يستحضرة كلُّ أحد، وإليه يُشير كل مُشير، وعليه يعود كل ضمير، كما يُنبىء عنه اسم الشأن، الذي هو القصد. والسر في تصدير الجملة به للتنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها، وجلالة حيزها، مع ما فيه من زيادة تحقيقٍ وتقرير، فإنَّ الضمير لا يُفهم منه من أول الأمر إلاّ شأن مبهم، له خطر جليلٍ، فيبقى الذهن مترقباً لِما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه، فيتمكن عند وروده له فضل تمكُّن. وكل جملة بعد خبره مقرِّره لِما قبلها على ما يأتي.
يقول الحق جلّ جلاله مجيباً للمشركين لَمّا قالوا : صِفْ لنا ربك الذي تدعونا إليه، وانسبه ؟ فسكت عنهم ﷺ فنزلت، أو اليهود، لَمّا قالوا : صِفْ لنا ربك وانسبه، فإنه وَصَفَ نفسه في التوراة ونَسَبَها، فارتعد رسولُ الله ﷺ حتى خَرّ مغشيًّا عليه، فنزل جبريلُ عليه السلام بالسورة. ويمكن أن تنزل مرتين كما تقدّم.
فقال جلّ جلاله :﴿قل هو اللهُ﴾ المعبود بالحق، الواجب الوجود، المستحق
٣٧٠
للكمالات ﴿أحَدٌ﴾ لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، لا يتبعّض ولا يتجزّأ، ولا يُحد، ولا يُحصَى، أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، ظاهر بالتعريف لكل أحد، باطن في ظهوره عن كل أحد.
وأصل ﴿أحد﴾ هنا " وَحَد " فأبدلت الواو همزة، وليست كأحد، الملازم للنفي، فإنَّ همزة أصلية. ووصفه تعالى بالوحدانية له ثلاث معان، الأول : أنه لا ثاني له، فهو نفي للعدد، والآخر : أنه واحد لا نظير له ولا شريك له، كما تقول : فلان واحد عصره، أي : لا نظير له، الثالث : أنه واحد لا ينقسم ولا يتبعّض. والأظهر أن المراد هنا : نفي الشريك، لقصد الرد على المشركين. انظر ابن جزي.