" صفحة رقم ١٣١ "
سورة الفاتحة
سورة الفاتحة من السور ذات الأسماء الكثيرة، أنهاها صاحب ( الإتقان ) إلى نيف وعشرين بين ألقاب وصفات جرت على ألسنة القراء من عهد السلف، ولم يثبت في السنة الصحيحة والمأثور من أسمائها إلا فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم القرآن، أو أم الكتاب، فلنقتصر على بيان هذه الأسماء الثلاثة.
فأما تسميتها فاتحة الكتاب فقد ثبتت في السنة في أحاديث كثيرة منها قول النبيء ( ﷺ ) ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وفاتحة مشتقة من الفتح وهو إزالة حاجز عن مكان مقصودٍ وُلُوجه فصيغتها تقتضي أنَّ موصوفها شيء يزيل حاجزاً، وليس مستعملاً في حقيقته بل مستعملاً في معنى أول الشيء تشبيهاً للأول بالفاتح لأن الفاتح للباب هو أول من يدخل، فقيل الفاتحة في الأصل مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب، والباقية بمعنى البقاء في قوله تعالى :( فهل ترى لهم من باقية ( ( الحاقة : ٨ ) وكذلك الطاغية في قوله تعالى :( فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( ( الحاقة : ٥ ) في قول ابن عباس أي بطغيانهم. والخاطئة بمعنى الخطأ والحاقة بمعنى الحق. وإنما سمي أول الشيء بالفاتحة إما تسمية للمفعول لأن الآتي على وزن فاعلة بالمصدر الفتح يتعلق بأول أجزاء الفعل ففيه يظهر مبدأ المصدر، وإما على اعتبار الفاتحة اسم فاعل ثم جعلت اسماً لأول الشيء، إذ بذلك الأول يتعلق الفتح بالمجموع فهو كالباعث على الفتح، فالأصل فاتح الكتاب، وأدخلت عليه هاء التأنيث دلالة على النقل من الوصفيَّة إلى الاسمية أي إلى معاملة الصفة معامَلَة الاسم في الدلالة على ذات معينة لا على ذي وصف، مثل الغائبة في قوله تعالى :( وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين ( ( النمل : ٧٥ ) ومثل العافية والعاقبة قال التفتزاني في ( شرح الكشاف ) :( ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسورة ونحوها كانت التاء للنقل من الوصفيَّة إلى الاسمية وليست لتأنيث الموصوف في الأصل، يعني لأنهم يقولون فاتحة وخاتمة دائماً في خصوص جريانه على موصوف مؤنث كالسورة والقطعة، وذلك كقولهم فلان خاتمة العلماء، وكقول الحريري في المقامة الأولى :( أدَّتْني خاتمة المَطاف وهَدَتْني فاتحة الألطاف ).