﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ ﴾ [يونس : ١٠٩] على تكذيبهم وإيذائهم ﴿ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ ﴾ [الأعراف : ٨٧] لك بالنصر عليهم والغلبة ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْحَـاكِمِينَ ﴾ [الأعراف : ٨٧] لأنه المطلع على السرائر فلا يحتاج إلى بينة وشهود.
٢٥٧
سورة هود
عليه السلام مكية وهي مائة وثلاث وعشرون آية)

(بسم الله الرحمن الرحيم)

﴿ الار كِتَـابٌ ﴾ [هود : ١] أي هذا كتاب فهو خير مبتدإ محذوف ﴿ الار كِتَـابٌ ﴾ [هود : ١] صفة له أي نظمت نظماً رصيناً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم ﴿ ثُمَّ فُصِّلَتْ ﴾ [هود : ١] كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية وآية أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين ولخص وليس معنى ثم التراخي في الوقت ولكن في الحال ﴿ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود : ١] صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر أوصلة لأحكمت وفصلت أي من عنده أحكامها وتفصيلها ﴿ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ ﴾ [هود : ٢] مفعول له أي لئلا تعبدوا أو أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول كأنه قيل قال : لا تعبدوا إلا الله أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله ﴿ إِنَّنِى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ [هود : ٢] أي من الله ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ [هود : ٣] أي أمركم بالتوحيد والاستغفار ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود : ٦١] أي استغفروه من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة ﴿ يُمَتِّعْكُم مَّتَـاعًا حَسَنًا ﴾ [هود : ٣] يطوّل نفعكم في
٢٥٨
الدنيا بمنافع حسنة مرضية من عيشة واسعة ونعمة متتابعة ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [نوح : ٤] إلى أن يتوفاكم ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود : ٣] ويعط في الآخرة كل من كان له فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس منه شيئاً ﴿ وَإِن تَوَلَّوْا ﴾ [الانفال : ٤٠] وإن تتولوا ﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود : ٣] هو يوم القيامة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ [المائدة : ٤٨] رجوعكم ﴿ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة : ١٢٠] فكان قادراً على إعادتكم ﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ [هود : ٥] يزورّون عن الحق وينحرفون عنه لأن من أقبل على الشيء استقبله بصدره ومن أزورّ عنه وانحرف ثنى عنه صدره وطوى عنه كشحه ﴿ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ﴾ [هود : ٥] ليطلبوا الخفاء من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنون على أوزارهم ﴿ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ ﴾ [هود : ٥] يتغطون بها أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة لاستماع كلام الله كقول نوح عليه السلام ﴿ جَعَلُوا أَصَـابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ ﴾ [نوح : ٧] ﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة : ٧٧] أي لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم فلا وجه لتوصلهم لي ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم واستغشائهم ثيابهم ونفاقهم غير نافق عنده قيل نزلت في المنافقين ﴿ إِنَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الانفال : ٤٣] بما فيها ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الارْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩
هود : ٦] تفضلاً لا وجوباً ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا ﴾ [هود : ٦] مكانه من الأرض ومسكنه ﴿ وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ حيث كان مودعاً قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة ﴿ كُلٌّ فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود : ٦] كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها في اللوح يعني ذكرها مكتوب فيه مبين
٢٥٩


الصفحة التالية
Icon