﴿ وَجَـاهِدُوا ﴾ أمر بالغزو أو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر أو هو كلمة حق عند أمير جائر ﴿ فِى اللَّهِ ﴾ [الحج : ٨] أي في ذات الله ومن أجله ﴿ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج : ٧٨] وهو أن لا يخاف في الله لومة لائم.
يقال : هوحق عالم وجد عالم أن عالم حقاً وجداً ومنه حق جهاده وكان القياس حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه لكن الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص، فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت إضافته إليه.
ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله
ويوم شهدناه سليماً وعامرا
﴿ هُوَ اجْتَبَـاكُمْ ﴾ [الحج : ٧٨] اختاركم لدينه ونصرته ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج : ٧٨] ضيق بل رخص لكم في جميع ما كلفكم من الطهارة والصلاة والصوم والحج بالتيمم وبالإيماء وبالقصر والإفطار لعذر السفر والمرض وعدم الزاد والراحلة.
﴿ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج : ٧٨] أي اتبعوا ملة أبيكم، أو نصب على الاختصاص أي أعني بالدين ملة أبيكم.
وسماه أباً وإن لم يكن أباً للأمة كلها، لأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكان أباً لأمته لأن أمة الرسول في حكم أولاده قال عليه السلام " إنما أنا لكم مثل الوالد " ﴿ هُوَ سَمَّـاـاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الحج : ٧٨] أي الله بدليل قراءة أبيّ : الله سماكم المسلمين ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] في الكتب المتقدمة ﴿ وَفِى هَـاذَا ﴾ [الحج : ٧٨] أي في القرآن أي فضلكم على سائر الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم ﴿ لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ ﴾ [الحج : ٧٨] أنه قد بلغكم رسالة ربكم ﴿ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الحج : ٧٨] بتبليغ الرسل رسالات الله إليهم وإذ خصكم بهذه الكرامة والأثرة ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ ﴾ [النساء : ١٠٣] بواجباتها ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا ﴾ [البقرة : ٨٣] بشرائطها ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ ﴾ [الحج : ٧٨] وثقوا بالله وتوكلوا علي لا بالصلاة والزكاة ﴿ هُوَ مَوْلَـاـاكُمْ ﴾ [الحج : ٧٨] أي مالككم وناصركم ومتولي أموركم ﴿ فَنِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ [الحج : ٧٨] حيث لم يمنعكم رزقكم بعصيانكم ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الانفال : ٤٠] أي الناصر هو حيث أعانكم على طاعتكم وقد أفلح من هو مولاه وناصره
١٦٩
سورة المؤمنون
مكية وهي مائة وثمان عشرة آية
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون : ١] " قد " نقيضة لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه، وكان المؤمنون يتوقعون مثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه.
والفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب أي فازوا بما طلبوا ونجوا مما هربوا، والإيمان في اللغة التصديق، والمؤمن المصدق لغة.
وفي الشرع كل من نطق بالشهادتين مواطئاً قلبه لسانه فهو مؤمن.
قال عليه السلام " خلق الله الجنة فقال لها : تكلمي.
فقالت : قد أفلح المؤمنون ثلاثاً أنا حرام على كل بخيل مراء " لأنه بالرياء أبطل العبادات البدنية وليس له عبادة مالية ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَـاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون : ٢] خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح.
وقيل : الخشوع في الصلاة جمع الهمة لها الإعراض عما سواها وأن لا يجاوز بصره مصلاه وأن لا يلتفت ولا يعبث ولا يسدل ولا يفرقع أصابعه ولا يقلب الحصى ونحو ذلك.
وعن أبي الدرداء : هو إخلاص المقال وإعظام المقام واليقين التام
١٧٠
وجمع الاهتمام.
وأضيفت الصلاة إلى المصلين لا إلى المصلى له لانتفاع المصلي بها وحده وهي عدته وذخيرته، وأما المصلى له فغني عنها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ١٧٠


الصفحة التالية
Icon