﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [يونس : ٥٥] " ألا " تنبيه على أن لا يخالفوا أمر من له ما في السماوات والأرض ﴿ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ [النور : ٦٤] أدخل " قد " ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد، والمعنى أن جميع ما في السماوات والأرض مختص به خلقاً وملكاً وعلماً فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين وإن كانوا يجهدون في سترها؟ ﴿ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ ﴾ [النور : ٦٤] وبفتح الياء وكسر الجيم : يعقوب أي ويعلم يوم يردون إلى جزائه وهو يوم القيامة.
والخطاب والغيبة في قوله قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه يجوز أن يكونا جميعاً للمنافقين على طريق الالتفات، ويجوز أن يكون ما أنتم عليه عاماً و يرجعون للمنافقين ﴿ فَيُنَبِّئُهُم ﴾ يوم القيامة ﴿ بِمَا عَمِلُوا ﴾ [المجادلة : ٦] بما أبطنوا من سوء أعمالهم ويجازيهم حق جزائهم ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٢] فلا يخفي عليه خافية.
وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ سورة النور على المنبر في الموسم وفسرها على وجه لو سمعت الروم به لأسلمت والله
٢٣١
سورة الفرقان
مكية وهي سبع وسبعون آية
﴿ تَبَـارَكَ ﴾ تفاعل من البركة وهي كثرة الخير وزيادته، ومعنى تبارك الله تزايد خيره وتكاثر أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله، وهي كلمة تعظيم لم تستعمل إلا لله وحده والمستعمل منه الماضي فحسب ﴿ الَّذِى نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [الفرقان : ١] هو مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما، وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل والحلال والحرام، أو لأنه لم ينزل جملة ولكن مفرقاً مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال ألا ترى إلى قوله :﴿ وَقُرْءَانًا فَرَقْنَـاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَـاهُ تَنزِيلا ﴾ [الإسراء : ١٠٦] ﴿ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ [الحديد : ٩] محمد عليه الصلاة والسلام ﴿ لِيَكُونَ ﴾ العبد أو الفرقان ﴿ لِلْعَـالَمِينَ ﴾ للجن والإنس وعموم الرسالة من خصائصه عليه الصلاة والسلام ﴿ نَذِيرًا ﴾ منذراً أي مخوفاً أو إنذاراً كالنكير بمعنى الإنكار ومنه قوله تعالى ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ [القمر : ١٦] ﴿ الَّذِى ﴾ رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على الإبدال من الذي نزل وجوز الفصل بين البدل والمبدل منه بقوله ليكون لأن المبدل منه صلته نزل وليكون تعليل له فكأن المبدل منه لم يتم إلا به أو نصب على المدح
٢٣٢
﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الزمر : ٤٤] على الخلوص ﴿ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا ﴾ [الفرقان : ٢] كما زعم اليهود والنصارى في عزير والمسيح عليهما السلام ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ ﴾ [الإسراء : ١١١] كما زعمت الثنوية ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ ﴾ [الفرقان : ٢] أي أحدث كل شيء وحده لا كما يقوله المجوس والثنوية من النور والظلمة ويزدان وآهرمن.
ولا شبهة فيه لمن يقول إن الله شيء ويقول بخلق القرآن، لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعولاً له على أن لفظ شيء اختلص بما يصح أن يخلق بقرينة وخلق، وهذا أوضح دليل لنا على المعتزلة في خلق أفعال العباد ﴿ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان : ٢] فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه كما أنه خلق الإنسان على هذا الشكل الذي تراه فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في الدين والدنيا أو قدره للبقاء إلى أمد معلوم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٣٢


الصفحة التالية
Icon