﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ [الأحزاب : ٧٣] وقرأ الأعمش ﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ ﴾ [الأحزاب : ٧٣] بالرفع ليجعل العلة قاصرة على فعل الحامل ويبتديء ﴿ وَيَتُوبَ اللَّهُ ﴾ [الأحزاب : ٧٣] ومعنى المشهورة ليعذب الله حامل الأمانة ويتوب على غيره ممن لم يحملها لأنه إذا تيب على الوافي كان نوعاً من عذاب الغادر، أو للعاقبة أي حملها الإنسان فآل الآمر إلى تعذيب الأشقياء وقبول توبة السعداء ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا ﴾ [النساء : ٩٦] للتائبين ﴿ رَّحِيمًا ﴾ بعباده المؤمنين
٤٦٠
سورة سبأ
مكية وهي أربع وخمسون آية
﴿ الْحَمْدُ ﴾ إن أجرى على المعهود فهو بما حمد به نفسه محمود، وإن أجرى على الاستغراق فله لكل المحامد الاستحقاق ﴿ لِّلَّهِ ﴾ بلام التمليك لأنه خالق ناطق الحمد أصلاً فكان بملكه مالك الحمد للتحميد أهلاً ﴿ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ [إبراهيم : ٢] خلقاً وملكاً وقهراً فكان حقيقاً بأن يحمد سراً وجهراً ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الاخِرَةِ ﴾ [سبأ : ١] كما هو له في الدنيا إذا النعم في الدارين من المولى، غير أن الحمد هنا واجب لأن الدنيا دار تكليف وثم لا، لعدم التكليف وإنما يحمد أهل الجنة سروراً بالنعيم وتلذذاً بما نالوا من الأجر العظيم بقولهم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾ [الزمر : ٧٤] (الزمر : ٤٧) ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١
فاطر : ٣٤] (فاطر : ٤٣) ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ ﴾ [الأنعام : ١٨] بتدبير ما في السماء والأرض ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ بضمير من يحمده ليوم الجزاء والعرض ﴿ يَعْلَمْ ﴾ مستأنف ﴿ مَا يَلِجُ ﴾ [سبأ : ٢] ما يدخل ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] من الأموات والدفائن ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾ [سبأ : ٢] من النبات وجواهر المعادن ﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [سبأ : ٢] من الأمطار
٤٦١
وأنواع البركات ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾ [سبأ : ٢] يصعد إليها من الملائكة والدعوات ﴿ وَهُوَ الرَّحِيمُ ﴾ [سبأ : ٢] بإنزال ما يحتاجون إليه ﴿ الْغَفُورُ ﴾ لما يجترئون عليه.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النمل : ٦٧] أي منكرو البعث ﴿ لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ﴾ [سبأ : ٣] نفي للبعث وإنكار لمجيء الساعة ﴿ قُلْ بَلَى ﴾ [سبأ : ٣] أوجب ما بعد النفي بـ " بلى " على معنى أن ليس الأمر إلا إتيانها ﴿ وَرَبِّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ : ٣] ثم أعيد إيجابه مؤكداً بما هو الغاية في التوكيد والتشديد وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل، ثم أمد التوكيد القسمى بما اتبع المقسم به من الوصف بقوله ﴿ عَـالِمُ الْغَيْبِ ﴾ [الجن : ٢٦] لأن عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه وبشدة ثباته واستقامته لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أرفع منزلة كانت الشهادة أقوى وآكد والمستشهد عليه أثبت وأرسخ، ولما كان قيام الساعة من مشاهير الغيوب وأدخلها في الخفية كان الوصف بما يرجع إلى علم الغيب أولى وأحق.
﴿ عَـالِمُ الْغَيْبِ ﴾ [الجن : ٢٦] مدني وشامي أي هو عالم الغيب ﴿ عَـالِمُ الْغَيْبِ ﴾ حمزة وعلي على المبالغة ﴿ لا يَعْزُبُ عَنْهُ ﴾ [سبأ : ٣] وبكسر الزاي : عليّ.
يقال : عزب يعزب ويعزب إذا غاب وبعد ﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ [الزلزلة : ٧] مقدار أصغر نملة ﴿ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَلا أَصْغَرُ مِن ذَالِكَ ﴾ [
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١


الصفحة التالية
Icon