جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٩
ويجوز أن يكون الضمير في ﴿ بِهِ إِنَّهُ ﴾ [القصص : ٥٣] للعذاب الشديد في قوله :﴿ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ : ٤٦] (سبأ : ٦٤).
وكانوا يقولون وما نحن بمعذبين إن كان الأمر كما تصفون من قيام الساعة والعقاب والثواب ونحن أكرم على الله من أن يعذبنا قائسين أمر الآخرة على أمر الدنيا، فهذا كان قذفهم بالغيب وهو غيب ومقذوف به من جهة بعيدة لأن دار الجزاء لا تنقاس على دار التكليف ﴿ وَحِيلَ ﴾ وحجز ﴿ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ﴾ [سبأ : ٥٤] من نفع الإيمان يومئذ والنجاة به من النار والفوز بالجنة أو من الرد إلى الدنيا كما حكي عنهم بقوله ﴿ فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـالِحًا ﴾ [السجدة : ١٢] (السجدة : ٢١) والأفعال التي هي ﴿ فَزِعُوا ﴾ ﴿ وَأُخِذُوا ﴾ ﴿ وَحِيلَ ﴾ كلها للمضي والمراد بها الاستقبال لتحقق وقوعه ﴿ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ﴾ [سبأ : ٥٤] بأشباههم من الكفرة ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا فِى شَكٍّ ﴾ [سبأ : ٥٤] من أمر الرسل والبعث ﴿ مُرِيبٍ ﴾ موقع في الريبة من أرابه إذا أوقعه في الريبة، هذا رد على من زعم أن الله لا يعذب على الشك.
٤٨٢
سورة فاطر
مكية وهي خمس وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [فاطر : ٣٤] حمد ذاته تعليماً وتعظيماً ﴿ فَاطِرِ السَّمَـاوَاتِ ﴾ [يوسف : ١٠١] مبتدئها ومبتدعها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما كنت أدري معنى الفاطر حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها.
أي ابتدأتها ﴿ وَالارْضِ جَاعِلِ الْمَلَـائكَةِ رُسُلا ﴾ [فاطر : ١] إلى عباده ﴿ أُوْلِى ﴾ ذوي اسم جمع لذو وهو بدل من ﴿ رُسُلا ﴾ أو نعت له ﴿ أَجْنِحَةٍ ﴾ جمع جناح ﴿ مَثْنَى وَثُلَـاثَ وَرُبَـاعَ ﴾ [النساء : ٣] صفات لأجنحة، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ إلى صيغ أخر كما عدل عمر عن عامر وعن تكرير إلى غير تكرير.
وقيل : للعدل والوصف والتعويل عليه، والمعنى أن الملائكة طائفة أجنحتهم اثنان اثنان أي لكل واحد منهم جناحان، وطائفة أجنحتهم ثلاثة ثلاثة، ولعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بقوة، وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة ﴿ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ ﴾ [فاطر : ١] أي يزيد في خلق الأجنحة يمدهما بقوة، وطائفة أجنحتهم أربعة أربعة ﴿ يَزِيدُ فِى الْخَلْقِ ﴾ [فاطر : ١] أي يزيد في خلق الأجنحة وغيره ﴿ مَا يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ٤٠] وقيل : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن والخط الحسن والملاحة في العينين، والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق من طول قامة واعتدال صورة وتمام في الأعضاء وقوة في البطش وحصافة في العقل وجزالة
٤٨٣
في الرأي وذلاقة في اللسان ومحبة في قلوب المؤمنين وما أشبه ذلك ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٠] قادر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨٣
﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ﴾ [فاطر : ٢] نكرت الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قال من أية رحمة رزق أو مطر أو صحة أو غير ذلك ﴿ فَلا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ [فاطر : ٢] فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها، واستعير الفتح للإطلاق والإرسال ألا ترى إلى قوله ﴿ وَمَا يُمْسِكْ ﴾ [فاطر : ٢] يمنع ويحبس ﴿ فَلا مُرْسِلَ لَهُ ﴾ [فاطر : ٢] مطلق له ﴿ مِّن بَعْدِهِ ﴾ [الأحزاب : ٥٣] من بعد إمساكه.
وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمن معنى الشرط على معنى الرحمة، ثم ذكره حملاً على اللفظ المرجع إليه إذ لا تأنيث فيه لأن الأول فسر بالرحمة فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير.
وعن معاذ مرفوعاً " لا تزال يد الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفق خيارهم بشرارهم ويعظم برهم فاجرهم وتعن قراؤهم أمراءهم على معصية الله فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم ".
﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] الغالب القادر على الإرسال والإمساك ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه.


الصفحة التالية
Icon