ينفعهم إيمانهم ﴿ سُنَّتَ اللَّهِ ﴾ بمنزلة وعد الله ونحوه من المصادر المؤكدة ﴿ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ ﴾ [غافر : ٨٥] أن الإيمان عند نزول العذاب لا ينفع وأن العذاب نازل بمكذبي الرسل ﴿ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَـافِرُونَ ﴾ [غافر : ٨٥] هنالك مكان مستعار للزمان والكافرون خاسرون في كل أوان، ولكن يتبين خسرانهم إذا عاينوا العذاب، وفائدة ترادف الفاءات في هذه الآيات أن ﴿ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم ﴾ [الأحقاف : ٢٦] نتيجة قوله ﴿ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ ﴾ [غافر : ٨٢] و ﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم ﴾ [غافر : ٨٣] كالبيان والتفسير لقوله ﴿ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُم ﴾ [الأحقاف : ٢٦] كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء، ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾ [غافر : ٨٤] تابع لقوله ﴿ فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ﴾ [النمل : ١٣] كأنه قال : فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا، وكذلك ﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ ﴾ [غافر : ٨٥] تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله.
١٢٧
سورة فصلت
مكية وهي ثلاث وخمسون آية
﴿ حم ﴾ إن جعلته اسماً للسورة كان مبتدأ ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ خبره، وإن جعلته تعديداً للحروف كان ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ خبراً لمبتدأ محذوف و ﴿ كِتَـابٌ ﴾ بدل من ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ أو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف أو ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ مبتدأ ﴿ مِّنَ الرَّحْمَـانِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت : ٢] صفته ﴿ كِتَـابٌ ﴾ خبره ﴿ فُصِّلَتْ ءَايَـاتُهُا ﴾ [فصلت : ٤٤] ميزت وجعلت تفاصيل في معانٍ مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد وغير ذلك ﴿ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزمر : ٢٨] نصب على الاختصاص والمدح أي أريد بهذا الكتاب المفصل قرآناً من صفته كيت وكيت، أو على الحال أي فصلت آياته في حال كونه قرآناً عربياً ﴿ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٣٠] أي لقوم عرب يعلمون ما نزل عليهم من الآيات المفصلة المبينة بلسانهم العربي.
و ﴿ لِّقَوْمٍ ﴾ يتعلق بـ ﴿ تَنزِيلٌ ﴾ أو بـ ﴿ فُصِّلَتْ ﴾ أي تنزيل من الله لأجلهم أو فصلت آياته لهم، والأظهر أن يكون صفته مثل ما قبله وما بعده أي قرآناً عربياً كائناً لقوم عرب ﴿ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [فصلت : ٤] صفتان لـ ﴿ قُرْءَانًا ﴾ ﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ﴾ [فصلت : ٤] أي لا
١٢٨
يقبلون من قولك " تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي " ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٨
﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ ﴾ [فصلت : ٥] أغطية جمع كنان وهو الغطاء ﴿ مِمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ ﴾ [هود : ٦٢] من التوحيد ﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِى ﴾ [فصلت : ٥] ثقل يمنع من استماع قولك ﴿ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ﴾ [فصلت : ٥] ستر.
وهذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن تقبل الحق واعتقاده كأنها في غلف وأغطية تمنع من نفوذه فيها ومج إسماعهم له كأنه بها صمماً عنه، ولتباعد المذهبين والدينين كأن بينهم وماهم عليه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما هو عليه حجاباً ساتراً وحاجزاً منيعاً من جبل أو نحوه فلا تلاقي ولا ترائي ﴿ فَاعْمَلْ ﴾ على دينك ﴿ إِنَّنَا عَـامِلُونَ ﴾ [فصلت : ٥] على ديننا أو فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك.
وفائدة زيادة " من " أن الحجاب ابتداء منا وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها، ولو قيل بينا وبينك حجاب لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط الجهتين.