﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الانسَـانِ أَعْرَضَ ﴾ [الإسراء : ٨٣] هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة فنسي المنعم وأعرض عن شكره ﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا ﴾ وتباعد عن ذكرالله ودعائه أو ذهب بنفسه وتكبر وتعظم، وتحقيقه أن يوضع جانبه موضع نفسه لأن مكان الشيء وجهته ينزل منزلة نفسه ومنه قول الكتاب كتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال : ونأى بنفسه ﴿ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ ﴾ [فصلت : ٥١] الضر والفقر ﴿ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصلت : ٥١] كثير أي أقبل على دوام الدعاء وأخذ في الابتهال والتضرع.
وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام كما استعير الغلظ لشدة العذاب، ولا منافاة بين قوله ﴿ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ [فصلت : ٤٩] وبين قوله ﴿ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾ [فصلت : ٥١] لأن الأول في قوم والثاني في قوم، أو قنوط في البر وذو دعاء عريض في البحر، أو قنوط بالقلب ذو دعاء عريض باللسان، أو قنوط من الصنم ذو دعاء لله تعالى.
﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ ﴾ [يونس : ٥٠] أخبروني ﴿ إِن كَانَ ﴾ [التوبة : ٢٤] القرآن ﴿ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ ﴾ [فصلت : ٥٢] ثم جحدتم أنه من عند الله ﴿ مَنْ أَضَلُّ ﴾ [الروم : ٢٩] منكم إلا أنه وضع قوله
١٤٤
﴿ مِمَّنْ هُوَ فِى شِقَاق بَعِيدٍ ﴾ [فصلت : ٥٢] موضع " منكم " بياناً لحالهم وصفتهم ﴿ سَنُرِيهِمْ ءَايَـاتِنَا فِى الافَاقِ ﴾ [فصلت : ٥٣] من فتح البلاد شرقاً وغرباً ﴿ وَفِى أَنفُسِهِمْ ﴾ [فصلت : ٥٣] فتح مكة ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت : ٥٣] أي القرآن أو الإسلام ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ ﴾ [فصلت : ٥٣] موضع ﴿ بِرَبِّكَ ﴾ الرفع على أنه فاعل والمفعول محذوف وقوله ﴿ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت : ٥٣] بدل منه تقديره أولم يكفهم أن ربك على كل شيء شهيد أي أولم تكفهم شهادة ربك على كل شيء، ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب الذي هو على كل شيء شهيد.
﴿ أَلا إِنَّهُمْ فِى مِرْيَةٍ ﴾ [فصلت : ٥٤] شك ﴿ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطُ ﴾ [فصلت : ٥٤] عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها وظواهرها وبواطنها فلا تخفى عليه خافية فيجازيهم على كفرهم ومريتهم في لقاء ربهم.
١٤٥
سورة الشورى
مكية وهي ثلاثة وخمسون آية
فصل ﴿ حم ﴾ من ﴿ عسق ﴾ كتابة مخالفاً لـ ﴿ كاهيعاص ﴾ تلفيفاً بأخواتها ولأنه آيتان و ﴿ كاهيعاص ﴾ آية واحدة ﴿ كَذَالِكَ يُوحِى إِلَيْكَ ﴾ [الشورى : ٣] أي مثل ذلك الوحي أو مثل ذلك الكتاب يوحي إليك ﴿ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ﴾ [الشورى : ٣] وإلى الرسل من قبلك ﴿ اللَّهُ ﴾ يعني أن ما تضمنته هذه السورة من المعاني قد أوحى الله إليك مثله وفي غيرها من السور، وأوحاه إلى من قبلك يعني إلى رسله.
والمعنى أن الله كرر هذه المعاني في القرآن وفي جميع الكتب السماوية لما فيها من التنبيه البليغ واللطف العظيم لعباده.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ليس من نبي صاحب كتاب إلا أوحي إليه بـ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٦
﴿ حم * عاساق ﴾.
﴿ يُوحِى ﴾ بفتح الحاء : مكي.
ورافع اسم الله على هذه القراءة ما دل عليه ﴿ يُوحِى ﴾ كأن قائلاً قال : من الموحي؟ فقيل : الله ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب بقهره ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ المصيب في فعله وقوله ﴿ لَّهُ مَا فِي السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِي الارْضِ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] ملكاً وملكاً ﴿ وَهُوَ الْعَلِىُّ ﴾ [البقرة : ٢٥٥] شأنه ﴿ الْعَظِيمُ ﴾ برهانه.
١٤٦