﴿ تَرَاـاهُمْ رُكَّعًا ﴾ [الفتح : ٢٩] راكعين ﴿ سُجَّدًا ﴾ ساجدين ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ حال كما أن ركعاً وسجداً كذلك ﴿ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ ﴾ [الفتح : ٢٩] علامتهم ﴿ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح : ٢٩] أي من التأثير الذي يؤثره السجود.
وعن عطاء : استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل لقوله عليه السلام :" من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي المذكور ﴿ مَثَلُهُمْ ﴾ صفتهم ﴿ فِى التَّوْرَاـاةِ ﴾ [التوبة : ١١١] وعليه وقف ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِى الانجِيلِ ﴾ [الفتح : ٢٩] مبتدأ خبره ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ ﴾ فراخه.
يقال : أشطأ الزرع إذا فرخ
٢٤١
﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ﴾ [الفتح : ٢٩] قواه، ﴿ فَـاَازَرَهُ ﴾ شامي ﴿ فَاسْتَغْلَظَ ﴾ فصار من الرقة إلى الغلظ ﴿ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ﴾ [الفتح : ٢٩] فاستقام على قصبه جمع ساق ﴿ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ﴾ [الفتح : ٢٩] يتعجبون من قوته.
وقيل : مكتوب في الإنجيل : سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وعن عكرمة : أخرج شطأه بأبي بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلي رضوان الله عليهم.
وهذا مثل ضربه الله تعالى لبدء الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قام وحده ثم قواه الله تعالى بمن آمن معه كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتفّ بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع ﴿ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح : ٢٩] تعليل لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة.
ويجوز أن يعلل به ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة : ٩] لأن الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك.
و " من " في ﴿ مِّنْهُم ﴾ للبيان كما في قوله :﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاوْثَـانِ ﴾ [الحج : ٣٠] (الحج : ٠٣) يعني فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، وقولك " أنفق من الدراهم " أي اجعل نفقتك هذا الجنس.
وهذه الآية ترد قول الروافض إنهم كفروا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم إذ الوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم إنما يكون أن لو ثبتوا على ما كانوا عليه في حياته.
٢٤٢
سورة الحجرات
مدنية وهي ثمان عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُقَدِّمُوا ﴾ [الحجرات : ١] قدّمه وأقدمه منقولان بتثقيل الحشو، والهمزة من قدمه إذا تقدمه في قوله تعالى ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ ﴾ [هود : ٩٨] (هود : ٨٩) وحذف المفعول ليتناول كل ما وقع في النفس مما يقدم من القول أو الفعل، وجاز أن لا يقصد مفعول والنهي متوجه إلى نفس التقدمة كقوله ﴿ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ ﴾ (غافر : ٨٦) أو هو من قدّم بمعنى تقدم كوجه بمعنى توجه ومنه مقدمة الجيش وهي الجماعة المتقدمة منه ويؤيده قراءة يعقوب ﴿ لا تُقَدِّمُوا ﴾ [الحجرات : ١] بحذف إحدى تاءي تتقدموا ﴿ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات : ١] حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريباً منه، فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعاً كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره.
وفي هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يسمى تمثيلاً، وفيه فائدة جليلة وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة.
ويجوز أن يجري مجرى قولك " سرني زيد وحسن حاله " أي سرني حسن حال زيد.
فكذلك هنا المعنى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وفائدة
٢٤٣
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٣


الصفحة التالية
Icon