﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ ﴾ [ق : ٤٢] بدل من ﴿ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَالِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾.
الصيحة النفخة الثانية ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ متعلق بـ ﴿ الصَّيْحَةَ ﴾ والمراد به البعث والحشر للجزاء ﴿ ذَالِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ﴾ [ق : ٤٢] من القبور ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ﴾ [يس : ١٢] الخلق ﴿ وَنُمِيتُ ﴾ أي نميتهم في الدنيا ﴿ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ [ق : ٤٣] أي مصيرهم ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ ﴾ [ق : ٤٤] بالتخفيف : كوفي وأبو عمرو، وغيرهم بالتشديد ﴿ الارْضُ عَنْهُمْ ﴾ [ق : ٤٤] أي تتصدع الأرض فتخرج الموتى من صدوعها ﴿ سِرَاعًا ﴾ حال من المجرور أي مسرعين ﴿ ذَالِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ [ق : ٤٤] هين.
وتقديم الظرف يدل على الاختصاص أي لا يتيسر مثل ذلك الأمر العظيم إلا على القادر الذي لا يشغله شأن عن شأن ﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ [طه : ١٠٤] فيك وفينا تهديد لهم وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ﴾ [ق : ٤٥] كقوله ﴿ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ (الغاشية : ٢٢) أي ما أنت بمسلط عليهم إنما أنت داعٍ وباعث.
وقيل : هو من جبره على الأمر بمعنى أجبره أي ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الإيمان ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق : ٤٥] كقوله :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاـاهَا ﴾ [النازعات : ٤٥] (النازعات : ٥٤).
لأنه لا ينفع إلا فيه
٢٦٥
سورة الذاريات
مكية وهي ستون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ وَالذَّارِيَـاتِ ﴾ الرياح لأنها تذرو التراب وغيره، وبادغام التاء في الذال : حمزة وأبو عمرو ﴿ ذَرْوًا ﴾ مصدر والعامل فيه اسم الفاعل ﴿ فَالْحَـامِلَـاتِ ﴾ السحاب لأنها تحمل المطر ﴿ وِقْرًا ﴾ مفعول الحاملات ﴿ فَالْجَـارِيَـاتِ ﴾ الفلك ﴿ يُسْرًا ﴾ جرياً ذا يسر أي ذا سهولة ﴿ فَالْمُقَسِّمَـاتِ أَمْرًا ﴾ [الذاريات : ٤] الملائكة لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما، أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك، أو تتولى تقسيم أمر العباد ؛ فجبريل للغلظة، وميكائيل للرحمة، وملك الموت لقبض الأرواح، وإسرافيل للنفخ.
ويجوز أن يراد الرياح لا غير لأنها تنشيء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جرياً سهلاً، وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
ومعنى الفاء على الأول أنه أقسم بالرياح فبالسحاب التي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر ومنافعها.
وعلى الثاني أنها تبتديء في الهبوب فتذرو التراب والحصباء فتقل السحاب فتجري في الجوّ باسطة له فتقسم المطر ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات : ٥] جواب القسم و " ما " موصولة أو مصدرية والموعود البعث ﴿ لَصَادِقٌ ﴾ وعد صادق كعيشة راضية أي ذات رضا
٢٦٦
﴿ وَإِنَّ الدِّينَ ﴾ [الذاريات : ٦] الجزاء على الأعمال ﴿ لَوَاقِعٌ ﴾ لكائن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٦
﴿ وَالسَّمَآءَ ﴾ هذا قسم آخر ﴿ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾ [الذاريات : ٧] الطرائق الحسنة مثل ما يظهر على الماء من هبوب الريح، وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره جمع حبيكة كطريقة وطرق.
ويقال : إن خلقة السماء كذلك.
وعن الحسن : حبكها نجومها جمع حباك ﴿ إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ [الذاريات : ٨] أي قولهم في الرسول ساحر وشاعر ومجنون وفي القرآن سحر وشعر وأساطير الأولين ﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [الذاريات : ٩] الضمير للقرآن أو الرسول أي يصرف عنه من صرف، الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم، أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله أي علم فيما لم يزل أن مأفوك عن الحق لا يرعوي.
ويجوز أن يكون الضمير لما توعدون أو للدين، أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق، ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاك ومنهم جاحد، ثم قال : يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو مأفوك ﴿ قُتِلَ ﴾ لعن وأصله الدعاء بالقتل والهلاك ثم جرى مجرى لعن ﴿ الْخَراَّصُونَ ﴾ الكذابون المقدرون ما لا يصح وهم أصحاب القول المختلف، واللام إشارة إليهم كأنه قيل : قتل هؤلاء الخراصون ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِى غَمْرَةٍ ﴾ [الذاريات : ١١] في جهل يغمرهم ﴿ سَاهُونَ ﴾ غافلون عما أمروا به.


الصفحة التالية
Icon